عملت الولايات المتحدة في لبنان بطرق غير مباشرة خلال الحضور السوري الذي انتهى عام 2005، وبعد تلك اللحظة، ووفق منظور إقليمي، بدأ التدخل الأمريكي المباشر بعد إخراج السوريين وبدء تشكيل قدرة سياسية محلية تحت عنوان 14 آذار بإدارة جفري فيلتمان المباشرة. هذا التدخل توسع بشكل كبير بعد حرب تموز عام 2006، التي شكلت منعطفاً حاسماً في قدرة المقاومة على مواجهة جيش الكيان المؤقت وردعه وتهديد جبهته الداخلية.
محاولة اختراق البيئة الشيعية
دفع ذلك بالولايات المتحدة إلى الانغماس في السياسة اللبنانية والعمل حتى على اختراق البيئة الشيعية لكبح قدرة المقاومة على استقطاب الشباب حسب تعبير فيلتمان في شهادته أمام الكونغرس في حزيران عام 2010، مستعرضاً مشروع المنظمات المدنية الذي بدأ عام 2006 حسب قوله، وتم ضخ مئات الملايين من الدولارات لصالحه. كان ذلك قبل أن يتحول حزب الله إلى لاعب إقليمي فعال في مواجهة الحروب الدولية في سوريا والعراق واليمن، وقبل أن تتضخم قدرته القتالية البرية بشكل كبير نتيجة تلك الحروب، وقبل أن يمتلك كميات مضاعفة من الصواريخ، وقبل حيازته للسلاح الكاسر للتوازن المتمثل بالصواريخ الدقيقة.
الولايات المتحدة تلعب دور المحامي عن الكيان المؤقت
لعبت الولايات المتحدة دور المحامي عن الكيان المؤقت في مواجهة المقاومة، بعد العجز الصهيوني عن حسم المعركة العسكرية، وانكشاف عجز قواته البرية عن الخوض في هذا التحدي، وبالتالي فقدانه القدرة على خوض حرب ذات نتائج استراتيجية إيجابية، فكانت الولايات المتحدة هي الأداة والوسيلة لخوض حرب الإرغام ضد المقاومة في لبنان من الداخل اللبناني، بهدف تفكيك هذا التهديد واستنزافه وإشغاله بالأزمات الداخلية بالحد الأدنى.
قامت الولايات المتحدة بعد حرب تموز بحماية المصالح الأمنية الصهيونية الإستراتيجية من خلال درء المخاطر القادمة من الجبهة الشمالية، ومن لبنان تحديداً، من خلال وسائل غير قتالية، مدفوعة كذلك بعوامل إضافية، كانت هي نفسها المحفز للقرار الأمريكي بإطالة أمد الحرب خلال تموز 2006، والمتمثلة بالدور الذي اعتبرت الولايات المتحدة أن حزب الله يقوم به في العراق ضد جيشها المحتل هناك، وفي نفس السياق والمبررات خيضت الحرب في سوريا لإغلاق الممر الاستراتيجي وأنبوب التغذية اللوجستي عن المقاومة في لبنان، والآن يجري العمل على تأسيس سفارة كبرى في المنطقة مقرها لبنان ما يؤشر على استمرارية هذا الدور الحامي للكيان مستقبلاً واستمرار الحاجة إليه. اذن تعمل الولايات المتحدة في لبنان لحماية أمن الكيان المؤقت، الذي يشكل التهديد الوجودي القادم إليه من لبنان خطراً على الكيان وعلى الهيمنة الأمريكية المتبقية على منطقة غرب آسيا وسائر بلدان العالم العربي والإسلامي، نظراً لما يمثله الكيان المؤقت من نقطة رفد وتكريس واستدامة لتلك الهيمنة.
ترسيم الحدود لتأمين الكيان المؤقت
في وصف لما آلت إليه الأمور بما يتعلق بترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان المؤقت، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن: "اختراق تاريخي في الشرق الأوسط يسمح للبنان الذي يعاني من ضائقة مالية باستكشاف احتياطات الغاز المحتملة في البحر الأبيض المتوسط، مع منح إسرائيل المزيد من الأمن والاستقرار في المنطقة المضطربة".
يُظهر كلام بايدن بشكل دقيق النوايا الأمريكية التي تقف خلف الإجراءات التي حصلت خلال مرحلة التفاوض غير المباشرة بين لبنان والكيان المؤقت، والهادفة إلى تأمين الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي للكيان مع الإشارة للسماح للبنان بالاستخراج دون وجود ضمانات بعدم العرقلة والمماطلة.
مسؤولية الكيان المؤقت عن حصار لبنان
أصدر مركز دراسات غرب آسيا هذا البحث الذي يقدّم مجموعة من الأدلة والشواهد والقرائن المباشرة وغير المباشرة التي تثبت أن السياسة الأمريكية في لبنان تقوم على أساس تنفيذ الرغبات الصهيونية وحماية المصالح الأمنية للكيان المؤقت، لتخلص ختاماً إلى تحديد نطاق ومدى وطبيعة ومجالات مسؤولية الكيان المؤقت عن السياسات الأمريكية الحالية تجاه لبنان والمتمثلة باستراتيجية الحصار، وذلك بناءً على وثائق استراتيجية أمريكية رسمية تؤكد أولوية أمن إسرائيل بالنسبة للسياسة الأمريكية في لبنان، وعلى تصريحات رسمية لمسؤولي الولايات المتحدة والكيان المؤقت، وعلى تحليلات صحافية مقربة من هؤلاء المسؤولين، وعلى دراسات تقدمها مراكز التفكير في البلدين لتوجيه السياسة الأمريكية في لبنان لخدمة الكيان المؤقت.
ينتهي الاستعراض والتحليل في هذا البحث إلى أن الكيان المؤقت شريك كامل في الحصار على لبنان، فوجوده وحماية أمنه هما الدافع الأساسي خلف قيام الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الحصار، وكذلك على صعيد القرار الذي يحصل بالتنسيق بين الطرفين مراعاةً للمصالح الأمنية المشتركة، ويتعلق ذلك بالتوقيت بعد انتصار المقاومة في الحرب السورية، وكذلك بالشكل والدرجة والوتيرة والمستوى والمجالات التي يطالها الحصار، والأهم هو الاستمرارية والتصعيد المستمر في الحصار، وبناءً عليه فإن الكيان يتحمل مسؤولية الحصار الذي توازي نتائجه نتائج الحرب، ويمكن تلخيص مجالات المسؤولية التي يتحملها الكيان بالشكل الآتي:
حينما يؤدي الحصار إلى تدمير البنى الاقتصادية والمؤسسات الحكومية والقطاعات الإنتاجية ويبدد قيمة العملة الوطنية وينشر البطالة والتفكك الاجتماعي المؤدي للجريمة، ويدفع بالبلاد إلى حالة المجاعة فإنه يصبح حرباً كاملة الأوصاف، ويعد جريمة بحق الإنسانية.
للاطلاع على الدراسة كاملة إضغط هنا:
الكاتب: غرفة التحرير