قد يظنّ البعض بأن الحرب التركيبية التي تواجهها إيران حالياً، هي وليدة وفاة الشابة مهسا أميني، أو وليدة تعثر الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني. لكن الحقيقة والواقع يقولان عكس ذلك تماماً، فهذه الحرب شنت عليها، منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، وفي الكثير من المجالات، وبمختلف أنواع القوى التي يأتي في مقدمتها القوة الناعمة.
وحول هذا الموضوع، أعدّت الدكتورة حوراء حوماني كتاباً بعنوان "إيران وهوليوود: القوة الناعمة لصناعة صورة الآخر"، والذي تحدثت فيه عن كيفية استخدام الإدارة الأمريكية لقوتها الناعمة من خلال قطاع صناعة الأفلام، في إطار مواجهتها للجمهورية الإسلامية.
وقد كان لنا حواراً مع الدكتورة حوماني حول هذا الكتاب، وهذا ما جاء فيه:
1)ما هو السبب الذي دفعكم الى اختيار هذا الموضوع وكيف كان مساركم في البحث حوله؟
من اسباب اختيار هذا الموضوع وهو "إيران وهوليود: القوة الناعمة لصناعة صورة الآخر" من جهة أولى رواج مصطلح القوة الناعمة في العقود الاخيرة على مستوى العلاقات الدولية، وعلى مستوى تقييم القوى غير العسكرية للدول، والتي تستطيع من خلالها التأثير على الآخرين من دون إرغام ومن دون اكراه، فقط بالجذب وبالإغراء.
وبالتالي فإن هذا أحد الاسباب اللي تجعلنا نلاحظ ونسأل بين أنفسنا كباحثين، عن كيفية صناعة هذه القوة، وتحديداً الأمريكية التي نعرف بأنها مسيطرة على وسائل الإعلام حول العالم، الذي يعدّ أحد الأدوات الأساسية في القوة الناعمة.
من جهة ثانية كان لابد من مقاربة القوة الناعمة من دولة باتجاه دولة، ولذلك تم اختيار إيران بسبب وجود علاقات مضطربة بين البلدين، منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
فيما يتعلق بالمسار البحثي انطلقنا من القوة الناعمة وتعريفاتها، وأجرينا مقارنة لها مع الدعاية والحرب النفسية وغيره من المصطلحات التي كانت رائجة في أيام الحرب والسلم بالقرن الماضي. كما أسقطنا أيضاً - وهذا هو الشيء الجديد في الكتاب – أنواع الدعاية على القوة الناعمة، أي وضعنا فرضية انه من الممكن أن يكون هناك قوة ناعمة بيضاء، رمادية أو سوداء. وبنتائج الدراسة أو البحث، تبين معنا نوع القوة التي تستخدمها أمريكا ضد إيران.
وبالإضافة، كان هناك إطلالة على أسباب الصراع بين البلدين، وعلى تاريخ هذا الصراع، لتكوين سياق سياسي زمني، نستطيع من بعده تحليل النتائج على ضوءه. بالإضافة للاستناد إلى إطار نظري واضح وعلمي ودقيق، مثل النظرية النقدية التي تعمل على تفكيك الخطابات الليبرالية الرأسمالية، التي تهيمن على الفرد ثقافياً، بالإضافة للإمبريالية الثقافية والسيطرة على الإعلام، وأيضاً التفوق العرقي والاحساس بانتفاخ الذات كما يقال مقابل "الآخر القزم"، وهذا ما أردنا ان نراه وان نختبره وندرسه في الافلام الأمريكية التي تناولت إيران.
2)ما هي أهم وأبرز النقاط التي استوقفتكم حول علاقة هوليوود بإيران؟
لمعرفة دقيقة وعلمية لكيفيه صناعة صورة الآخر في هوليود، تم الاستعانة بأداة التحليل الكمي والنوعي لهذا الهدف. فبالتحليل الكمي، تم إجراء استمارة شاملة للأفلام الـ 24 التي تم التطرق فيها إلى إيران، في الفترة الممتدة من العام 1979 (تاريخ انتصار الثورة الإسلامية واضطراب العلاقات ما بين البلدين)، وصولاً الى العام 2016.
الأفلام الـ 24 كانوا مقسمين، فمنها 10 أفلام كانت مركزة بشكل فعلي على إيران، بينما الـ 14 الباقيين كان يشار الى إيران فيهن، أي من دون أن تكون القصة الأساسية هي عن إيران. بالتحليل النوعي توجهنا الى ما هو أبعد من التحليل الكمي لناحية الاكتفاء بالإحصاءات، لكي نشاهد المشاهد المحورية، وللخطوط الدرامية، بل كان هناك أيضاً بعض الامور في سينوغرافيا المشهد التي لعبت دوراً ما.
ثم درسنا كيفية تقديم الشخصيات الرئيسية، وفتشنا عن الإجابة حول هل كانت المشهديات الأساسية تتضمن بعض الامور اللافتة، لناحية الاقتران بالأفعال العنيفة القمعية.
وبالفعل وجدنا الكثير من الأمور في هذه الأفلام، التي قد لا نلاحظها، إن كنا فعلاً لا نفتش عن هذا الدور الأساسي لهوليوود وكيف يتم توظيف هذه الأداة من ضمن أدوات القوة الناعمة، من أجل صناعة صورة عن الآخر، الذي يعتبر عدواً بالنسبة لأمريكا، بالطريقة التي تريدها الأخيرة، ووفقاً لما ترسمه، كي يصبح معياراً لمحاكمة الناس للآخرين على أساسه.
3)أي دور للإدارة الأمريكية في تحديد سياسات شركات انتاج هوليوود؟
لا شك بأن هناك علاقة وثيقة بين الادارة الامريكية وشركات الانتاج في هوليوود، وهذا باعترافهم هم. حيث استشهدت في الكتاب بالعديد من الأمثلة، حول ممثلين يعترفون بوجود وكالة الاستخبارات المركزية "السي آي ايه – CIA" في هوليوود. وأيضاً استشهدت بصحفي يكشف من يستطيع الحصول على كل هذه الميزانية وعلى كل هذه الأسلحة، إلا إذا قدّم سيناريو يلمّع صورة الجندي الأمريكي.
إذا كل هذه الدلائل تؤكد لنا وجود علاقة بين البنتاغون وشركات الانتاج في هوليوود، والهدف بالتأكيد هو سياسي. لأن الفكرة الاساسية التي نستنتجها ايضا من هذا الكتاب، هو ان أمريكا في النهاية تعمل على انتاج قوالب مصبوبة أي "صور نمطية – Stereotypes" عن الذات وعن الآخر. بحيث يُعمدون على تصوير امريكا في هذه الصور النمطية، على أنها أرض اليوتوبيا والأحلام، وبأن الجميع يحلم بالسفر اليها والتواجد فيها، بينما يصورون إيران، بأنها هي السجن الذي يود الجميع الهرب منه.
كما يعمدون أيضاً في هذه الصور النمطية على تصوير أمريكا على أنها هي مُحاربة الإرهاب، بينما إيران هي دائماً من ترعى الإرهاب.
وهذا ما تبيّن لنا بوضوح في التحليل الكمّي من خلال النسب، لناحية القضايا وصور أطراف الصراع. وهذا ما تبين أيضاً في التحليل النوعي، إذ كان هناك الكثير من المقارنات ما بين الأنا والآخر، من وجهه نظر أمريكا، والكثير الكثير من الأمثلة التي يذخر بها هذا الكتاب.
4)ماذا عن نتائج استخدام هذه القوة الناعمة برأيكم؟
في الحقيقة لا يمكن للباحث أن يبت نظرياً في نتائج استخدام القوة الناعمة، بل عليه أن يستند ايضاً الى دراسة أثر، من المفروض أن يكون بناءها متماسك ومستندة إلى إطار نظري دقيق لكي نستخلص نتائج تكون علمية. لذلك أنا وجهت دعوةً في خاتمة الكتاب، الى أن يشكّل هذا الكتاب فرصةً لفتح آفاق جديدة، من أجل دراسة أثر هذه القوة الناعمة.
في الخلاصة فإن هذا الكتاب يتيح لنا النظر للقوة الناعمة من منظار مختلف، ويدعنا ننظر الى افلام هوليود من منظور نقدي غير استهلاكي، بحيث نشاهد الخطابات التي توضع في الأفلام وما هي الأهداف الأساسية لها، وبأي سياقات يتم وضعها. وهذا كلّه لأن إيران تدفع ثمن خياراتها، في الوقوف الى جانب حركات المقاومة في المنطقة ولدعمها إياهم في مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب، وأيضاً بسبب وقوفها في وجه الهيمنة والسيطرة الأمريكية على مقدرات الشعوب وثرواتها. وهنا يحلو لي ان أقتبس مقولة للمفكر الامريكي نعوم تشومسكي الذي قال: "لأن إيران خرجت من الصف، لذلك يجب معاقبتها"، وهذا ما يتم من خلال تصوير إيران بهذه الطريقة السلبية، والتي وصلت نسبتها الى حوالي 75% من الافلام التي تظهر إيران بصورة سلبية جدا.
هذا ما يمكننا اعتباره نوع من العقاب لإيران، عبر تشويه صورتها في كل أنحاء العالم، الذي نعلم مدى قدرة وصول هوليوود إليه.
لذلك أيضا، يصحّ إسقاط أنواع الدعاية على القوة الناعمة، لنصل الى مكان نستطيع فيه القول بأن القوة الناعمة الامريكية اتجاه إيران، هي قوة ناعمة سوداء، هي ليست بريئة بتاتاً، وهي ليست كما يراد لها ان تبدو!
الكاتب: علي نور الدين