عندما وصل رئيس الحكومة الأسبق بنيامين نتنياهو الى الحكم عام 2009 تبنى استراتيجية التفريق بين غزّة والضفة الغربية، لاعتبار أن ضم الأخيرة يحقق الأكثرية يهودية من جهة ويسمح لكيان الاحتلال بضرب غزة كلما أراد، من جهة ثانية.
في هذا السياق، وتحت عنوان " لن يتنازل الفلسطينيون عن غزة"، اعتبر العقيد الاحتياط شاؤول أرئيلي في مقاله في صحيفة "هآرتس" العبرية أن هذه "الرؤية المتجذرة في إسرائيل" (الفصل بين غزة والضفة) تعكس العمى السياسي.
المقال المترجم:
علاقة إسرائيل بمستقبل قطاع غزة السياسي مرت بانقلابين منذ العام 1948. الأول؛ عند توقيع اتفاق أوسلو 1993، كان هناك تنازل عن الطوق لتحويل القطاع لجزء من إسرائيل بسبب الاستيقاظ من "الحب الأعمى" للقطاع، الذي أدى حتى ذلك الحين إلى تجاهل الواقع السياسي والأمني والديمغرافي.
أما الثاني؛ تمثل بتبني الرؤية التي تعتبر غزة كيانا سياسيا منفصلا ومستقلا تحت إدارة حماس، ومستقبله لا يرتبط بمستقبل النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة الغربية، وهذا يدل على تجاهل تاريخ النزاع والعمى السياسي فيما يتعلق بالتداعيات السياسية الحالية.
في إطار لجنة "لوزان"، وافقت إسرائيل على "خطة غزة" في 1949، التي أساسها ضم قطاع غزة إلى إسرائيل والسماح بعودة العرب إلى بيوتهم، وإسرائيل في المقابل، ستقوم بتعويض مصر والأردن بمساحة يجري تحديدها في النقب.
حرب 1967 أشعلت من جديد الحب للقطاع، وخطة "ألون" عام 1967 نصت على أن إسرائيل ستضم القطاع على الفور، مع توطين اللاجئين خارج حدود القطاع، ومن ثم جعله جزءا من إسرائيل، كما أكد الوزير غليلي هذا لجهات دولية سياسية جدية في مفاوضات دبلوماسية ومناسبات علنية.
إن رئيس الحكومة في حينه، مناحيم بيغن، عرض في 28 كانون الأول/ ديسمبر 1977، خطة الحكم الذاتي التي تبناها، والتي أساسها؛ في الضفة الغربية وفي القطاع حيث يقام حكم ذاتي إداري للسكان العرب. وبعد سنة من ذلك، في أحد اتفاقات الإطار الذي وقع بين إسرائيل ومصر في "كامب ديفيد" في 1978، صمم بيغن على أن القطاع سيبقى تحت سيطرة إسرائيل في إطار الحكم الذاتي (لم يخرج لحيز التنفيذ حتى اتفاقات أوسلو)، وبعد ذلك، أوضح أنه كان ينوي ضمه بعد انتهاء الفترة الانتقالية.
و"الانقلاب الأول"، وقع عندما شطبت إسرائيل في اتفاق أوسلو غزة من مجمل طلباتها الجغرافية التي ستتم تسويتها في إطار الاتفاق النهائي مع الفلسطينيين، ونقلت 80 في المئة من أراضي القطاع لمسؤولية السلطة الفلسطينية، وأرئيل شارون أكمل المهمة عندما كان رئيسا للحكومة، وأعلن في 2003 عن خطة الانفصال.
إن فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، كان هو المحرك للانقلاب الثاني الذي حدث في رؤية إسرائيل بخصوص مستقبل قطاع غزة، وسارع الرئيس في حينه إيهود أولمرت لفرض الحصار على القطاع، وتبنى سياسة استهدفت تثبيت الوضع.
أما بنيامين نتنياهو، عند انتخابه رئيسا للحكومة في 2009، فتبنى السياسة التي استهدفت تثبيت الوعي بأن القطاع هو كيان منفصل ومستقبله السياسي منفصل عن المستقبل السياسي للضفة الغربية، وأكد أمام جلسة لحزب "الليكود"، أن جزءا من استراتيجية إسرائيل هي التفريق بين الفلسطينيين في القطاع والضفة.
إن تأكيد العرب ورئيس السلطة محمود عباس، أنه "لا دولة في غزة ولا دولة فلسطينية دون غزة"، يدحض السياسة الإسرائيلية، إضافة إلى أن تمسك حماس بسلاحها يؤكد أن الفلسطينيين يتمسكون بـ "فلسطين الانتدابية". حماس لو كانت تريد دولة في غزة لقامت بإلقاء سلاحها، وحولت القطاع إلى سنغافورة، لكنها تتبنى "هذه الرؤية الفلسطينية، رؤية الكل الفلسطيني الكامل".
إسرائيل معنية بأن يكون القطاع كيانا مستقلا؛ ومن أجل أن يحدث ذلك، مطلوب من إسرائيل رفع الحصار وأن تنسق بشكل كامل ووثيق في مجال الجو والبحر والبر والاقتصاد والمواصلات والبيئة وما شابه. ولكن تل أبيب تمتنع عن رفع الحصار ولا تسمح بإقامة ميناء أو مطار ومعابر دولية؛ لأنها تخشى أن يتبنى الفلسطينيون في الضفة الغربية رؤية حماس، وتزداد قوتها هناك، بما يجعلها تمثل الشعب الفلسطيني.
الرؤية الجديدة التي تجذرت في إسرائيل، والتي تقول بأنه بالإمكان ضم الضفة الغربية فقط للحفاظ على أكثرية يهودية وضرب غزة كلما أرادت ذلك، تعكس العمى السياسي، وهذا فهم معطوب بالنسبة للعمليات المتوقعة في كل سيناريو معقول.
إن حركة "قادة من أجل أمن إسرائيل"، أجرت بحثا معمقا متعدد المجالات حول أفكار الضم نشر في 2018، أظهر أن الأمر يتعلق "بعملية متدحرجة على شكل أحجار الدومينو، التي في نهايتها إسرائيل ستضطر إلى ضم كل الضفة الغربية وستتحمل المسؤولية عن جميع السكان، وحتى لو طبقت إسرائيل في حينه بالنسبة للضفة نموذج شرقي القدس، الذي يميز بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كشف البحث أن إسرائيل ستتضرر اقتصاديا بسبب الحاجة إلى استثمار 52 مليار شيكل (دولار=3.3 شيكل) في السنة في السكان الذين سيتم ضمهم.
بعد الضم، يمكن الافتراض أن الفلسطينيين في الضفة سيناضلون من أجل المساواة الكاملة في الحقوق، ولا أحد يعرف كم سيستغرق هذا وبأي قوة سيجري، وإلى أي درجة سيشبه الحرب الأهلية التي ستتعب وتضعف إسرائيل، لكن في نهاية المطاف، سيتحقق لهم ما يريدون، ومن ثم ستكون المسافة قصيرة لتحقيق أكثرية عربية، وتشكيل حكومة مع أغلبية عربية وإلغاء "قانون العودة" و"قانون القومية"، وعودة اللاجئين الفلسطينيين، وإعادة توحيد كل فلسطين، وضم قطاع غزة.
هذا هو السيناريو المرجح إذا تمسكت إسرائيل بالسياسة القائمة، والظروف في المنطقة وفي العالم بقيت على حالها، وعلى الجمهور الإسرائيلي أن يدرك أن قطاع غزة هو جزء من فلسطين وسكانه هم جزء من الشعب الفلسطيني، الذي تحددت هويته الوطنية عن طريق حدود فلسطين الانتدابية، وقطاع غزة كان وبقي جزءا من النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، لذلك يجب أن يكون أيضا جزءا لا ينفصل عن حله في أي سيناريو سياسي.
المصدر: هآرتس
الكاتب: شاؤول أرئيلي