لم يكن التأييد اليمني للقضية الفلسطينية يوماً، ضمن حدود التأييد "اليتيم" الذي يقف عند نطاق الخطابات والشعارات. فعلى مدى تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي، كانت اليمن أولى الوجهات الآمنة للفدائيين الفلسطينيين، خاصة خلال حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973. وعلى الرغم من محاولات اغتيال الهوية اليمنية والعربية، المتأصلة بمعاداة كيان الاحتلال، والتي قامت بها الأنظمة اليمنية التابعة للمعسكر الخليجي، أعادت الثورة التي قام بها الشعب اليمني عام 2014، البوصلة إلى وجهتها الصحيحة. وهذه المرة بزخم مقرون بالقدرة والقرار والإرادة، لفرض معادلة جديدة، لتلبية نداء القدس "متى تطلب الأمر ذلك".
في 23 أيار/ مايو عام 2022، أي بعد نحو أسبوعين على بدء معركة سيف القدس، أعلن قائد حركة أنصار الله، السيد عبد الملك الحوثي، في خطاب متلفز لمدة دقيقتين، عن الجهوزية و " الاستعداد لكل الاحتمالات، وتجاه كل التطورات، وبحسب اللازم إن شاء الله"، مؤكداً انهم على "تنسيقٍ مستمرٍ مع الإخوة في حركات المقاومة في فلسطين، وفي إطار محور المقاومة". وداعياً -رغم الحصار المطبق لأكثر من 7 سنوات- لحملة تبرعات كبيرة للشعب والمقاومة الفلسطينية كخطوة أولى، تلتها تظاهرات مليونية في أكثر من 13 ساحة في العاصمة صنعاء والمحافظات.
خلال المعركة الأخيرة التي شنتها "إسرائيل" على قطاع غزة، والتي اغتالت خلالها قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس، الشهيد تيسير الجعبري، وقائد المنطقة الجنوبية، خالد منصور، وعدداً من الشهداء الآخرين وغالبيتهم من الأطفال والمدنيين، أكد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، ان "كل القوى العسكرية وكل الجيش واللجان الشعبية جاهزون وحاضرون لمساندة إخواننا الفلسطينيين إذا تطلّب الأمر ذلك". معلناً ان "القوات المسلّحة اليمنية جاهزة لأي توجيهات تصدرها القيادة لمساندة الشعب الفلسطيني"، مشيراً إلى أن "أي اعتداء على فلسطين هو اعتداء على اليمن وعلى المقاومة كلها".
اليمن يمتلك القدرة والقرار
هذا التأكيد اليمني على رغبته بالمشاركة في الحرب ضد كيان الاحتلال، واحباط مشاريعه القائمة على قتل الشعب الفلسطيني وتهجيره واستباحة أرضه ومقدساته، لم تأت ضمن إطار الحرب النفسية المجردة، بل قائم بحد ذاته على أسس عملية واقعية. فالجيش واللجان الشعبية اليمنية، تمتلك اليوم قدرات عسكرية أثبتت نجاعتها وفعاليتها خلال الحرب التي شنها ما يسمى بـ "التحالف" بقيادة السعودية.
مطلع شهر أيار/ مايو عام 2021، أصدر مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، دراسة حذّر فيها، من "هجمات حوثية مفاجئة وسريعة على إسرائيل، أو ضرب سُفن إسرائيليّة في البحر الأحمر أو المُحيط الهندي". موصياً بأنه "لا بد أن تركّز إسرائيل قَدْراً من مشاركتها في اليمن لمراقبة قدرات حركة "أنصار الله" وإحباطها"، مشيرة "بل إن نتنياهو نفسه عبَّر قبل عامين عن مخاوفه من "ضربة يمنية محتملة".
هذه التقديرات مبنية بدورها ايضاً، على احداثيات ومعلومات استخباراتية وتحليلية دقيقة. حيث ان القوات المسلحة اليمنية حرصت خلال عملياتها في العمق السعودي خاصة، على إظهار بعض من قدراتها، وما كان الكشف عن الصاروخ الذي استهدف رأس تنورة، خلال عملية توازن الردع السابعة، إلا لإيصال رسالة مفادها "اننا قادرون على الوصول لعمق الداخل المحتل". في حين يندرج التأكيد مرة أخرى في إطار قدرة صنعاء على اتخاذ قرار المشاركة الفعلية فيما لو تخطت "إسرائيل" الخطوط الحمراء، ووجودها بصلب محور القدس، أكثر من أي وقت مضى.
الكاتب: مريم السبلاني