لا شك ان الحفاظ على الوضع اليمني الراهن، المجمّد بالهدنة أمر مستحسن لدى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. فهو الأمر الذي يوفر استقرار ممرات الملاحة في باب المندب والبحر الأحمر من جهة، وتوقف العمليات العسكرية التي قد تضر بنشاطات استخراج النفط. في حين، ان الهدنة في ظل حصار مطبق يزيد الأوضاع الانسانية سوءاً، وهو الأمر الذي رفضه المجلس السياسي الأعلى في صنعاء بشكل قاطع. لكن ما لا يأتي لصالح بايدن، أن عدداً لا بأس به من أعضاء الكونغرس، يطالبون بوقف الحرب في اليمن أيضاً.
منتصف شهر حزيران/ يونيو الماضي، قدّم أكثر من 60 عضواً في الكونغرس (وهو عدد غير مسبوق، يعكس اتّساع دائرة الأصوات المناهضة للحرب)، مشروع قرار "يدعو الإدارة إلى وقف تبادل المعلومات الاستخبارية مع التحالف السعودي - الإماراتي، وإنهاء جميع أشكال الدعم اللوجستي لعملياته بما في ذلك توفير الصيانة وقطع الغيار"، إضافة "لحظر القيادة أو التنسيق أو المشاركة في العمليات، من دون إذن قانوني محدَّد مسبق من الكونغرس".
هذه الخطوة ليست يتيمة. فقد بات من المعروف حجم الانقسام داخل الكونغرس، ومعارضة عدد كبير لاستمرار الحرب، والتعاون مع المملكة التي ثبُت تورطها بارتكاب المجازر والجرائم والتسبب بحدوث أزمة إنسانية هي الأسوأ في التاريخ الحديث.
ضمن هذا الإطار، طالب أحد الأميركيين كان قد خدم سابقاً في حرب فيتنام وعضو منظمة "محاربين قدامى من أجل السلام"، دان جيلمان، بوضع حد "للتواطؤ الأمريكي في الحرب التي تشنها السعودية على اليمن، من خلال تمرير قانون يستند إلى قانون صلاحيات الحرب لعام 1973، والذي يمكن أن ينهي الانخراط الأمريكي في حرب اليمن". متابعاً: "بصفتي واحدًا من قدامى المحاربين في حرب فيتنام، لدي معرفة مباشرة بكُلْفة الحرب المروِّعة، وأولئك الذين يعانون ويلات الحرب أكثر من غيرهم، هم أولئك الذين يقعون في أتون النيران؛ ولهذا السبب أَحُث أعضاء الكونجرس على الانضمام إلى أعضاء مجلس الشيوخ بيرني ساندرز، وإليزابيث وارين، وباتريك ليهي، وأكثر من 100 عضو في مجلس النواب، من أجل رعاية قرار "صلاحيات حرب اليمن – Yemen War Powers Resolution"، لإنهاء دعم الولايات المتحدة للحرب التي تقودها السعودية في اليمن".
وقد أدت الحرب إلى أزمة إنسانية شاملة أعربت بشأنها الأمم المتحدة عن قلقها الشديد، بالإضافة إلى مقتل 400 ألف يمني، ووجود ما يقرب من 16 مليون يمني معرضين لسوء التغذية الحاد، وملايين على أعتاب مجاعة وشيكة، وفي ضوء الارتفاع العالمي في أسعار القمح الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا، تحذر الأمم المتحدة أنه دون اتخاذ إجراءات فورية، فإن الوضع "على وشك أن يزداد سوءًا" قبل أن يبدأ بالتحسن.
حاجة ماسَّة لتصرف سريع
وبهذا الصدد، يتابع جيلمان، "لا نملك رفاهية الانتظار حتى نتصرف حيال هذا الشأن، فعلى الرغم من أن الأطراف المتحاربة تفاوضت على تمديد الهدنة الأخيرة، فإن السعودية يمكنها استئناف حملتها القاتلة، للقصف والحصار المفروض على اليمن، عندما ينتهي وقف إطلاق النار نهاية تموز/ يوليو، وبالنظر إلى هذه النقطة الحاسمة في مفاوضات السلام، من المهم للغاية أن تتصرف الولايات المتحدة بسرعةٍ، وتمرر قرار صلاحيات حرب اليمن الآن".
جيلمان الذي كان مجنداً في حرب فيتنام بوصفه طبيباً، يروي شهادته خلال تلك المرحلة، في مقاله الذي نشره على موقع "تروث أوت" الأميركي: "رأيتُ وتعاملتُ مع الآثار المميتة والمفجعة للحرب على شعب يتعرض للهجوم، وضحايا الحرب ليسوا مجرد إحصائيات، أو أضرار جانبية، فهم بشر يستحقون مساعدتنا وتعاطفنا". مشيراً "أن وقف إطلاق النار سمَح للمنظمات الإنسانية الوصول إلى السكان الذين كان يتعذر الوصول إليهم في السابق، ومن المرجَّح أن العودة إلى القتال ستؤدي للحدِّ من إجراءات منظمات الإغاثة المحافظة على حياة الناس، وتزيد من إعاقة سلاسل التوريد التابعة للقطاع الخاص كذلك، مما سيفاقم الجوع وحالات الموت".
لم يُقر الكونغرس دعم الولايات المتحدة للحرب الوحشية التي تشنها السعودية على اليمن، ومع ذلك، تواصل واشنطن دعمها الحاسم، لما وصفه جيلمان "للقدرات الهجومية للجيش السعودي، والذي يشمل تقديم الخدمات اللوجستية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتوفير قطع الغيار والصيانة التي يحتاجها سلاح الجو السعودي لمواصلة قصف أهدافه".
الكاتب: غرفة التحرير