لم يتصاعد الدخان الأبيض من سلطنة عمان بعد. وبينما يقرأ البعض بنود الاتفاق، على ضوء ما أنتجه الهدوء النسبي الذي بدأ يخيّم على المنطقة بُعيد الاتفاق السعودي-الإيراني، يبقى السؤال المحوري: كيف ستترجم الرياض الاتفاق، في الداخل اليمني وعلى الساحة الدولية، خاصة وأنها تطالب بمنطقة عازلة بين البلدين؟ يكشف رئيس الملتقى العسكري العام، العميد يحيى الحوثي، في حديث خاص لموقع "الخنـادق" عن "انه قد تم الاتفاق على اقامتها بعمق 10 كلم، بعدما كانت الرياض تصرّ على 20 كلم".
لماذا تطلب السعودية إقامة منطقة عازلة؟
أصرت السعودية خلال الجولات التفاوضية التي عقدت في مسقط، على إقامة منطقة عازلة، بعمق 20 كلم في الأراضي اليمنية. وتقول مصادر مطلعة لموقع "الخنادق"، ان "السعودية كانت تحاول طيلة الفترة الماضية تحقيق مكاسب ميدانية، لم تستطع ان تحققها خلال الحرب، وهو الأمر الذي رفضته صنعاء". ويكشف العميد يحيى الحوثي، من جهته، ان "السعودية تبالغ في مطالبها في المفاوضات". وقال "اليمن دولة مسالمة ولم تعتدِ، بل السعودية هي من بدأت الحرب، وعليها ان تتحمل النتائج".
وعن سبب مطالبتها بإقامة المنطقة العازلة في تلك المنطقة، يشير العميد الحوثي، إلى ان "خلال المفاوضات الجارية وكانت الأمم المتحدة حاضرة، وافق الجانب اليمني على 10 كلم، على الرغم من ان الرياض قد لا تحتاجها فيما لو أثبتت النوايا حسنة وعملت بمبدأ حسن الجوار". مضيفاً "طالبت بمنطقة عازلة ما بين نجران وجيزان وعسير، وهي المنطقة التي دخل إليها الجيش واللجان الشعبية...وما يقض مضاجعهم اننا قادرون على الدخول العمق السعودي ولدينا القدرات أكثر من ذلك وقد استهدفنا جدة وارامكو والرياض وان نصل إلى ما بعد العمق السعودي إلى ما هو أبعد".
وعن فعالية إقامة هذه المنطقة على الحدود بين البلدين، يلفت العميد يحيى الحوثي في حديثه إلى "موقع الخنـادق"، إلى ان "الرياض تطالب بمنطقة عازلة خشية من التقدم البرّي لان مسافة 10 او 20 كلم لن يؤثر على مديات الصواريخ او الطائرات المسيرة فيما لو فُرض التصعيد... عليها ان تعلم اننا قادرون على ان نقتلع حقوقنا".
تأسيس لوقف إطلاق نار أم هدنة موسعة؟
لا يمكن فصل اليمن عن السياسية الخارجية التي باتت يعتمدها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. فإضافة للموقع الجيواستراتيجي الذي يتمتع به اليمن بخريطته الغنية بالموارد، يعد مفتاح الأمن القومي السعودي. اذ ان الصراع الذي دخل عامه التاسع، أنتج مرحلة جديدة، تود بعدها الرياض لو انها تستطيع العودة بالزمن إلى ما قبل 15 اذار/ مارس عام 2015. فقبل ذلك التاريخ، كانت تتعامل مع حركة انصار الله، على انها مجموعة "متمردة صغيرة"، في صعدة، يمكن محاصرتها، بعتاد وعديد الجيش اليمني الممنوع من التسليح إلا بموافقة البلاط السعودي. لكنها اليوم، بات عليها ان تتعامل معها على انها قوة فرضت بالأمر الواقع، بجيش وقوات مسلّحة وقيادة وقرار وسيادة ودولة بمختلف مؤسساتها. وهذا ما يفسر الإصرار السعودي على وضع الكثير من الخطوط الحمراء خلال المفاوضات، في محاولة "لحماية نفسها"، والإبقاء على نفوذها التي رسخته خلال العقود الطويلة الماضية، خاصة في المحافظات الجنوبية.
من ناحية أخرى، تجتمع الإرادة السعودية- الأميركية حول قرار واحد، بما يتعلق بالعمل على إبقاء اليمن، لأطول فترة ممكنة تحت ضغوطات الحصار الاقتصادي، بكل ما يحمل ذلك من انعكاسات على النسيج الاجتماعي والوضع الصحي والاستقرار الأمني، خاصة في المناطق التي تقع ضمن صلاحية حكومة صنعاء. وبالتالي، فإن توتر العلاقات بين الإدارة الأميركية، والرياض منذ وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، لا يقف حائلاً امام التنسيق المستمر لما يجري ميدانياً، إضافة للتأسيس للمرحلة السياسية المقبلة.
تجتمع العديد من العوامل، التي تشي بأن الحديث عن اتفاق يمهد لوقف إطلاق نار شامل يُفتتح به مرحلة سياسية جديدة تتضمن تشكيل حكومة موحدة، في الوقت القريب، هو حديث مبالغ فيه. خاصة مع توجه كلتا الدولتين، إلى انتهاج مسار يقوم على إدارة الصراع لا انهاءه، بما يضمن مصالحهما في المنطقة.
الكاتب: مريم السبلاني