لم يستطع معظمُ اليمنيين إلى الحج سبيلا. قرارٌ سعوديٌّ خفي باستبعادهم قسراً. "حكّام" أرض الحرمين الشرفين لم يتركوا باباً ليدخله هؤلاء لا بسلام ولا آمنين. فعلى مدى أكثر من 100 عام، أمعن "مستغلو" هذه الأرض المقدسة عند أكثر من مليار مسلم حول العالم، في وضع العراقيل أمام الحجاج اليمنيين، مرة بالإقصاء وتارةً بالاعتداء وصولاً للقتل والذبح ورفع الرؤوس، كما حصل في مجزرة تنومة التي ذَبَح فيها ارهابيون وهابيون بقيادة الأمير خالد بن محمد ابن شقيق الملك عبد العزيز، أكثر من 3000 حاج يمني بعد رميهم بالرصاص، وهم عزّل دون سلاح كانوا قد أَحرَموا للحج.
لم تخلُ سنة من السنوات من مثل هذه الاعتداءات بحق الحجاج اليمنيين، حتى بات موسم الحج في البلاد موعداً للاعتداءات السعودية بشتى الطرق. وكأن الله قد قصدهم في قوله "وما لهم ألّا يُعذبهم الله وهم يصُدّون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه، إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون" سورة الأنفال الآية 34.
يشير الباحث والمؤرخ اليمني الدكتور حمود الأهنومي في حديث خاص لموقع "الخنـادق"، إلى الصعوبات التي يمر بها الحجاج اليمنيون في ظل الحرب المفروضة على اليمن، حيث يؤكد الدكتور الأهنومي على ان السعودية قد وضعت شتى العراقيل، خاصة على أولئك القادمين من المناطق التي تقع ضمن صلاحية حكومة الإنقاذ الوطني، إضافة للظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها اليمنيون بفعل الحصار المطبق والمفروض عمداً منذ أكثر من 7 سنوات، والتي جعلت من الذهاب إلى الحج أمراً بمنتهى الصعوبة.
ومن ضمن الإجراءات التي يتعمّدون تطبيقها لمنع زيارة اليمنيين إلى مكة:
-اغلاق معبر العبر الذي يأتي من جانب محافظة مأرب، حيث يفتح ليوم او يومين فقط، ثم يغلق بشكل مفاجئ ودون مواعيد محددة حتى لا يتمكن أحد من الاستفادة منها والمرور.
-رفع كلفة الحج: في هذا العام زادت الكلفة إلى مستوى غير مسبوق، مصادر رسمية كشفت عبر إحصائية انه على الحاج اليمني دفع أكثر من 13000 ريال سعودي -ما يعادل 3500$- منها 5192 ريال سعودي كبدل لـ "باقة خدمات المشاعر"، والتي كانت قبل سنوات 594 ريال فقط. وهذه الخدمات تضمن "خيمة" صغيرة يحشر فيها أكثر من 16 حاج، وفي بعض الأحيان لا يتم توفير هذه الخدمات للجميع ولا يوجد حتى أماكن يبيتون فيها رغم أنهم قد دفعوا ما يتوجب عليهم. ويشير الدكتور الأهنومي ان السعودية لا تقدم بتاتاً تفاصيل هذه الباقة المبهمة، هي فقط تستوفي المال ويذهب للخزينة: منها 400 ريال كرسوم تأشيرة وتأمين صحي، 658 ريال ضرائب تفرض على كل حاج، 135 ريال بدل إيواء و53 ريال بدل تحويلات بنكية، وبالتالي ما تسرقه الرياض يبلغ أكثر من 6500 ريال دون أي خدمة تذكر. إضافة لأكثر من 2000 ريال كمصاريف شخصية للحاج في الداخل السعودي نتيجة الغلاء الذي تسمح به السلطات في هذه الفترة، حتى تصل الزيادة على بدل السكن داخل مكة إلى 700%.
-تسجيل الحجاج: عادة ما يجري تسجيل الحجاج عبر وكالات، في حين ان معظم "الوكالات" التي تتولى هذه المهمة تتبع لوزارة الأوقاف والإرشاد والتي تعمل بغالبيتها من خلال الحكومة التابعة للسعودية التي يرأسها معين عبد الملك، بينما لا يفسح بالمجال إلى غيرها من الوكالات في المناطق التي لا تقع السيطرة السعودية-الإماراتية في البلاد ان تقوم بأي تسجيلات.
-النقل: في ظل اغلاق المعابر والمنافذ الحدودية كمطار صنعاء والمنافذ الحدودية كمعبر العبر وحرض وصعدة وظهران، يحتاج الحاج إذا أراد السفر، ان يتوجه إلى المحافظات الجنوبية ويقطع مسافة أكثر من 1100 كلم ومعظمها طرق غير معبّدة. فمثلاً الطريق من صعدة التي تقع إلى جانب الحدود مع السعودية، على الحاج ان يخرج من صعدة إلى عمران ثم صنعاء وذمار ثم إب لينزل إلى الضالع ثم عدن أو أبين ثم إلى شبوة ومنها إلى مأرب ثم إلى المنفذ الحدودي، وهي التي كانت تحتاج لتجاوز حوالي 5 كلم فقط.
-اعتداءات الميليشيات التابعة للسعودية على الحجاج داخل اليمن: بعد ان كان الاعتداء على الحجاج فقط على حاملي الهوية اليمنية، بات الأمر أكثر صعوبة بعد الحرب، حيث أن أي أسرة يشتهر بها مجاهدون او شهداء، أو أنهم من القرية نفسها، هم معرضون للاعتقال وهذا الأمر قد حصل مرات عديدة، حتى لو ان الحاج لم يشارك في الجبهات ولا موقف له مع أي جماعة معينة، إلا ان انتماءه لأسرة معروفة بالوقوف بوجه آل سعود فإنه معرض للاعتقال والاعتداء أيضاً. في حين ان الهدنة لم تترك أي أثر إيجابي على هذا الملف، بالعكس هناك استمرار بالتضييق على الحجاج. حيث أنهم قد سمحوا هذا العام لـ 11 ألف حاج يمني فقط بالسفر مع عدم السماح لمن تجاوزوا الـ 65 عاماً.
يتابع الدكتور الأهنومي أنه منذ "أن أنشأ الاستعمار البريطاني الوهابية في شبه الجزيرة العربية والنظام السعودي يعتدي على اليمنيين" ويذكر في كتابه الذي يحمل عنوان "مجزرة الحجاج الكبرى، مذبحة حجاج اليمن في تنومة وسدوان على يد عصابات ابن سعود عام 1923" ما جرى في مجزرة تنومة:
ظهر يوم الأحد 17 ذي القعدة 1341هـ الموافق 1 تموز/ يوليو 1923، وكان الحجاج قد نزلوا على ثلاث فرق، الفرقة الأولى في تـنـومة، والثانية والثالثة في سدوان: اقتضت الخطة الشيطانية إيجاد طرف ثالث يتولَّى المجزرة في كمينٍ ينقض على الحجاج يتحمل في الظاهر وِزْرَ قتلهم، وتبين أن سلوكيات داعش والقاعدة كانت حاضرة فيها، فعدد مَنْ ذبحتهم سكاكين الإخوان الوهابيين كانوا حوالي 900 شهيد، وقتلوا النساء والكهول، وأن عدد الشهداء أكثر من 3000 شهيد، ينتمون لمختلف فئات وأماكن اليمن، وأنه لم ينج منهم إلا من تظاهر بالموت وانغمس بين الدماء، أو أمكنه الفرار عند بداية الهجوم، وهم حوالي 500 شخص، 150 شخصاً منهم بقيادة أمير الحج صمموا على مواصلة السفر للحج في ذلك العام عن طريق تهامة، وعاد البقية إلى اليمن... قضى في هذه المجزرة خيرة أعلام اليمن، وممن استشهد فيها السيد العلامة الحسين بن يحيى حورية المؤيدي، والسيد العلامة يحيى بن أحمد بن قاسم حميد الدين، والحاج حسين القريطي والد الشيخ المقرئ محمد حسين القريطي رحمهما الله، الذي ولد في نفس العام، والحاج محمد مصلح الوشاح".
الكاتب: مريم السبلاني