سنة مرّت على اغتيال الناشط السياسي الفلسطيني المعارض نزار بنات. لكن كما كل القضايا التي يكون أصحابها ممن ينطقون بالكلمة الحرّة أو ينقلون صورة وصوت الحقيقة، وآخرها قضية الصحفية شيرين أبو عاقلة، حيث يكون "القاتل" معروفاً. ولا فرق هنا بين أجهزة السلطة الفلسطينية التي ثبت تورطها بمقتل بنات وبين كيان الاحتلال الذي قنص على أبو عاقلة. كما لا فرق بين مسلسل المراوغة في التحقيقات وتقديم الروايات المضلّلة تملّصاً من "دم الضحية".
لا تزال قضية بنات ملف عالق – عمداً بطبيعة الحال – بين أروقة المحاكم الفلسطينية، مرّة بسبب التأجيل غير المبرر لجلسات المحاكمة. ومرّة أخرى بسبب أيام الأعياد حيث أن الاعلام الفلسطيني كشف عن "قضاء 14 عنصرًا أمنيا معتقلًا على ذمة قضية قتل الناشط الفلسطيني نزار بنات، إجازة عيد الفطر برفقة عائلاتهم في "فلل" خاصة تابعة لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، في مدينة أريحا، تحت حراسة أمنية مشددة"، وأضاف أن "العناصر المتهمين بقتل بنات، خرجوا عدة مرات من سجنهم، خلال شهر رمضان المبارك، والتقوا عائلاتهم أكثر من مرة في منازلهم، بتنسيق كامل مع رئاسة السلطة الفلسطينية، وهيئة المحكمة التابعة للقضاء العسكري".
قناة "الجزيرة" وضمن برنامجها "ما خفي أعظم" في شهر شباط / فبراير الماضي، كانت قد توصّلت الى وثائق تثبت أن بنات قتل على يد العناصر الـ 14 من جهاز الأمن الوقائي بعد تلقيهم "أمر عمليات" يشرح مفصلاً المهمات التي يتوجّب عليهم تنفيذها ضد "بنك الأهداف". وهو بنك أدرج ضمن محضر اجتماع عقدته اللجنة الأمنية في الخليل (في الضفة الغربية المحتلة) قبل يوم واحد فقط من اغتيال بنات (أي في 23 / 6 / 2021) وشارك في الاجتماع كلّ من: الأمن الوقائي، جهاز المخابرات، جهاز الاستخبارات، الشرطة الفلسطينية والأمن الوطني. وقد أدرج اسم نزار بنات على رأس قائمة المطلوبين في الخليل (رقم واحد في بنك الأهداف) المؤلفة من 15 اسماً.
على إثرها، أقدمت كتيبة العناصر التي يرأسها العقيد عزيز الطميزي، قرابة الساعة الثالثة فجراً من يوم الـ 24 من حزيران / يونيو 2021 على اقتحام منزل كان يبيت فيه بنات. واعتدى العناصر عليه بالضرب الوحشي وباستخدام أدوات حادّة الى أن فقد الوعي تماماً. وعرضت "الجزيرة" تسجيلات كاميرات المراقبة التي تظهر أن العناصر نقلوا بنات الى مقر الجهاز ثمّ خرجوا بعد حوالي الـ 20 دقيقة يحملونه الى المستشفى الحكومي في الخليل حيث فارق الحياة متأثراً بـ 42 إصابة في مختلف أنحاء جسده، حسب ما أكّد تقرير الطبيب الشرعي.
يمكن وصف العملية بالجريمة التي جرت خلافاً للقانون حيث أن وثيقة وجهها النائب العام أكرم الخطيب في 3 / 8 / 2021 (أي بعد حوالي شهرين من استشهاد بنات) أفادت أن "مذكرة اعتقال نزار بنات صدرت لمدير شرطة الخليل ولم يتم تنفيذها ولم يتم استردادها أيضاً من قبل النيابة العامة. وهي مذكرة اعتقال صادرة بحق بنات بتاريخ 4 / 5 / 2021 بتهمة ذم السلطة الفلسطينية. كذلك أثبت الاتصالات بين أجهزة السطلة وشهادات العناصر خلال الاستجواب أن السلطة الفلسطينية هي المسؤولة عن عملية الاغتيال لإسكات هذا الصوت المعارض والمنتقد لأدائها.
لم تكتفِ السلطة بارتكاب جريمتها، بل أفرجت عن العناصر المتورطين بتاريخ 22 حزيران / يونيو 2022 تحت ذريعة انتشار وباء كورونا، مع زعم كفالة توجب حضورهم جلسات المحاكم. ولا تنفك عن عرض الرشاوى على عائلة بنات للتخلي عن القضية في محاولة لمحو قضية الرأي العام التي أثارتها شهادة بنات في الشارع الفلسطيني. الا أن عائلة الشهيد تصرّ على متابعة القضية بهدف التوصّل الى العدالة لبنات عبر رفع التحقيقات الى المحاكم الدولية ووضعها برسم المؤسسات الحقوقية.
الكاتب: مروة ناصر