في ظل غياب الاستراتيجية الواضحة لدى مستويات كيان الاحتلال في التعامل مع المقاومة التي تتوسّع في الضفة الغربية المحتلّة، وبعد فشل الاقتحامات "الموضعية" للاغتيال أو الاعتقال في مخيمات الضفة، ثمّ تجربة العدوان الواسع في جنين ومخيمها (معركتي بأس الأحرار، بأس جنين) بسبب تطور أداء مجموعات المقاومة وفي مقدمتهم كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، تكرّست لدى الاحتلال فكرة أنه لا "غنى عن القبضة الأمنية للسلطة الفلسطينية". وهو ما حاول الاحتلال ومعه الولايات المتحدة الأمريكية تعزيزه منذ خطة "مايك فنزل" وما تبعها من قمتين "أمنيتين" في شرم الشيخ والعقبة، بحضور مصري وأردني.
في هذا الإطار، تحاول السلطة التعويض عمّا فشل الاحتلال من تحقيقه في الفترة الماضية، أي الوصول الى المقاومين، سواء عبر الاعتقال أو الاغتيال، تمهيدًا لوأد المقاومة الممتدّة من جنين ومناطق شمال الضفة (نابلس، طولكرم، طوباس) وصولًا الى جنوبها خاصة في رام الله والخليل، وأريحا.
إذ شنّت الأجهزة الأمنية للسلطة حملة اعتقال واسعة استهدفت كوادرًا من حركة الجهاد الإسلامي التي تعتبر من المحركات الأساسية للعمل المسلّح في الضفة. ففي 16/7/2023، داهمت عددًا من المنازل واعتقلت كلّ من عيد حمامرة (28 عاماً) ومحمد علاونة (41 عاماً)، ومحمد ملايشة (42 عاماً) ومؤمن فشافشة (20 عاماً)، وعماد خليلية (25 عاماً)، من بلدة جبع قضاء جنين.
فيما اعتقلت قبلهم مراد ملايشة (34 عامًا) ومحمد براهمة (37 عامًا) من جنين، وجميل جمال جعار (24 عامًا) من طولكرم، وسلامة عبد الجواد (30 عاماً) من مخيم "عسكر" الجديد بنابلس، وقيس أبو مارية (24 عامًا) من "بيت أمر" بالخليل، وذلك بعد أيام فقط من معركة "بأس جنين" في الثالث من الشهر الجاري، ولا تزال السلطة تتعنّت بالإفراج عنهم.
مظاهرات شعبية: الشعب الى جانب المقاومين
تنديدًا بسياسة الاعتقال واسنادًا للمقاومين، خرجت الجماهير الفلسطينية التي تشكّل بيئة حاضنة وملتفّة حول كتائب ومجموعات العمل العسكري في الضفة، في وقفات ومظاهرات تطالب بإطلاق سراح الشباب المعتقلين وتطالب السلطة بوقف هذه "الجرائم الوطنية والأخلاقية" بحق شعبها، كما "خدمة الاحتلال".
كتيبة جنين: المقاومة خيار الشعب وزعزعة استقرار الكيان واجب
تعليقًا على التحركات الشعبية، أكدّت سرايا القدس - كتيبة جنين أن "الحشود الجماهيرية المباركة التي خرجت في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة رفضا للاعتقال السياسي لتؤكد على صوابية النهج والخيار خيار المقاومة، ولتؤكد للقريب والبعيد أن خيار المقاومة هو خيار الشعب الفلسطيني ككل وليس خيار فصيل بعينه". وشدّدت الكتيبة على انّ "واجب المجاهدين اليوم زعزعة استقرار الكيان المؤقت، متوعّدةً "ما أعددناه للاحتلال ستروه قريبا بعون الله"، بما يشير الى أنّ سياسة الاعتقال سواء جاءت على يد الاحتلال أو السلطة سوف لن تثنِ المقاومة عن دورها ولن تحقق غاياتها في كسر عزيمة المجاهدين.
استمرار الاعتقال: عباس يخترق "التفاهم" مع الجهاد الإسلامي
نقض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس "التفاهم" الأخير الذي جرى مع كتيبة جنين. اذ طالبت الأخيرة بالإفراج عن المجاهدين مراد ملايشة ومحمد براهمة الذين تم اعتقالهم على يد الأجهزة الأمنية في طوباس ومصادرة سلاحهم أثناء تواجدهم لمساندة إخوانهم المقاتلين في مخيم جنين أثناء الاجتياح الأخير. وكانت قد نُقلت هذه الرسالة الى عباس باسم الكتيبة كما باسم كتائب شهداء الأقصى قبيل زيارته الى مخيم جنين.
على الرغم من نقض الاتفاق لم يتعرّض الرئيس ووفد السلطة في المخيم لأي عرقلة لجولته، الا من بعض الجماهير الشعبية التي هتفت تأييدًا كتيبة جنين ولخيار المقاومة. وقد ارتقت فصائل المقاومة الى تمرير الزيارة منعًا لتقديم خدمة "مجانية" للاحتلال في دقّ الاسفين بين مكونات الشعب الفلسطيني.
بـ "عصا" الاغتيال أو الاعتقال أو تشديد القبضة الأمنية، يحاول كيان الاحتلال ومن خلفه الولايات المتحدّة التخلّص من مأزق المقاومة التي تضرب عمق هذا الكيان، وتظهر قدرات وإمكانات سريعة التطور وفقًا لبداية نهوضها منذ عامين. ويبقى للضفة وأهلها الوجه الأوحد: وجه المقاومة والمواجهة بكلّ الوسائل.
الكاتب: غرفة التحرير