نشرت الاستخبارات الامريكية عام 2013 تقريرها حول المشاريع التي تريد واشنطن العمل على تحقيقها في الشرق الأوسط (تقرير 2030 الذي صنّفته ضمن التوقعات)، ومن جملتها جعل "عدم الاستقرار المزمن هو السائد في المنطقة نتيجة لتزايد ضعف الدولة ونمو الطائفية والقبلية والانقسامات الدينية، وسيظهر ذلك بوضوح في كل من العراق وليبيا واليمن وسوريا...".
في نظرة الى الساحة العراقية، نرى بوضوح الفوضى والتعطيل في البرلمان الجديد وانسداد الأفق في تسمية رئيس للحكومة، ذلك بعد دخول كتلة من 40 نائباً "مستقلون". لبنان أيضا تريده الولايات المتحدة مسرحاً لتجاربها، التي تبدأ بالعبث في المشهد السياسي من بوابة المجلس التشريعي لاعتباره ركيزة الدولة. حيث اتضح مشهد المرحلة القادمة في أول استحقاق لانتخاب رئيس المجلس وهيئته الرئاسية.
وفي العرض الآتي، نفنّد بعض النقاط والملاحظات التي يجب التوقّف عندها وقراءة خبايا طيّاتها:
أولاً: الفوضى
المشهد في البرلمان مع مداخلات وتعليقات النوّاب الممثلين للمجموعات غير الحكومية (NGOs) يذكرنا بمشروع كونداليزا رايس للفوضى الخلاقة، "أشعر أننا بدأنا بالسقوط من الجلسة الاولى وأطالب بالمزيد من ضبط للجلسة" (كما وصّف النائب علي عمّار)، حيث كان الاعتراض لأجل الاعتراض، ولإثارة الفوضى مع غياب الأهداف الجديّة.
ثانياً: قصور في فهم الدستور والعرف
إن ترشيح هذه المجموعات لكل من فراس حمدان (عن المقعد الدرزي) وميشال الدويهي (عن المقعد الماروني) لأمانة سر المجلس ثم سحبهما بعد دقائق "رفضاً لكل المواقع والمناصب الطائفية" ومن ثم الانسحاب بذريعة أن " المعركة مخالفة للدستور" (كما قال حمدان)،- في حين غفل هؤلاء أنهم وصلوا الى قبة البرلمان بفعل انتخابات وقانون حسب القيد الطائفي والمذهبي- لهو دليل أيضاً على القصور في فهم الدستور والأعراف السياسية في البلد.
ثالثا: استعراض إعلامي شعبوي
إن ذكر أسماء (مثل لقمان سليم، الجمهورية القوية، العدالة للبنان، العدالة لضحايا انفجار المرفأ...) التي تؤدي الى اعتبار ورقة الاقتراع "ملغاة"، ليس سوى استعراض إعلامي (بدأوه أساساً بمجيئهم الى الجلسة سالكين طريق مرفأ بيروت) وشعارات فضفاضة كانوا يرددونها في الشارع وانتقلوا بها الى البرلمان، فيما هدفها الوحيد "الشعبوية". فأثبتوا للرأي العام عدم "نضوجهم السياسي" وإدراكهم بأنهم باتوا نواب الشعب ولم يعودوا مجرد نشطاء ومتظاهرين في الشارع.
رابعا: القرار رهن إشارة الخارج!
فضح انتخاب نائب رئيس المجلس عدم انسجامهم وارتباط قرارهم بالإيعاز الخارجي، ففي الدورة الأولى حصل مرشح تكتل اللقاء الديمقراطي غسان سكاف على 49 صوتاً مقابل منافسه من تكتّل لبنان القوي الياس بو صعب الذي حصل على 64 صوتاً. وبشكل مثير للكثير من علامات التعجّب والاستفهام حصل سكاف في الدورة الثانية على 60 صوتاً! لكن في حديث النائب حليمة قعقور لـMTV اتضح الجواب حيث قالت "من بين النوّاب التغييرين كان هناك 7 قرروا الاقتراع لسكاف و6 ضده وانا من بينهم، ولكن في الدورة الثانية اقترعنا جميعاً لسكاف"، ليفهم الجميع أن إشارة خارجية جيّرت أصواتهم لمرشح "المختارة". وحوّلتهم من "مستقلين" و "تغيريين" (مع استثناء قلّة منهم) الى مجرد أدوات تتحرك ضمن الاصطفافات السياسية لصالح فلول 14 آذار المدعومين أمريكياً وسعودياً.
خطوة أولى في المشروع الأمريكي: تفريغ البرلمان من المشرّعين!
في الخلاصة، نستنتج – وبمعزل عمّا حققه حزب الله وحلفاؤه من فوز ثلاثي الأبعاد في اول جلسة برلمانية – أن الإدارة الأمريكية خطت الخطوة الأولى في مشروعها نحو تفريغ المجلس النيابي من المشرّعين، وزرع كتلة من "الوجوه الجديدة الشابة" الفوضوية التي تطيح بالعمل التشريعي الجدّي (جوهر المجلس النيابي)، فيما يبقى رهانها على الانتخابات القادمة والتي تليها... لتكبير الكرة (ضعف النواب الحاليين)، والهدف شل البرلمان وتعطيل التشريعات والقوانين عبر الثلث المعطل.
حزب الله وحلفاؤه: تناغم سياسي واضح
وعلى المقلب الآخر، فإن نتيجة "3- 0" مع فوز الرئيس نبيه بري في رئاسة المجلس، وفوز النائب الياس بو صعب بمنصب نائب رئيس المجلس، ثمّ فوز آلان عون بأمانة سر المجلس (عن المقعد الماروني مقابل منافسه القواتي النائب زياد حواط) تثبت انسجام وتناغم حزب الله وحلفائه مقابل تشتت وتشرذم "المحور الآخر". وهذا ما اعترف به حواط (الذي لم يحصل سوى على 39 صوتاُ) في قوله "أن النتيجة التي سجلت اليوم في المجلس النيابي كانت متوقعة بسبب تشتت قوى المعارضة... لم نستطع الوصول الى خريطة طريق واحدة".
الكاتب: غرفة التحرير