ليس من السذاجة والعمى السياسي أن تتصدر مسألة نزع سلاح حزب الله وتحرير لبنان من النفوذ الإيراني، قائمة البرامج الانتخابية لفئة من المرشحين إلى البرلمان، وذلك في بلد قد جرى تحضيره منذ العام 1993، ليسير نحو انهيار حتمي ومعقّد، اختلط به الاقتصادي بالسياسي، والثقافي بالاجتماعي، فجعل من حياة اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم أمام واحدة من أخطر التحديات التي واجهها كيانهم منذ اللحظة الأولى لتشكله.
وليس من باب الصدفة أن تكون الفئة التي ترفع هذه الشعارات هي نفسها التي اجتمعت في تموز العام 2006، على ضرورة استكمال العملية العسكريّة الإسرائيلية لإبادة حزب الله كهدف معلن وإفراغ المناطق من البيئة الحاضنة له كهدف أساس.
وليس من باب سوء التقدير، إنفاق نفس هذه الفئة المليارات لعزل الشيعة عن بقية مكوّنات المجتمع اللبناني على اختلاف انتماءاته الدينية والوطنية، والتركيز على شيطنة وتأديب من يتمرّد ويعيق تحقق هذا الهدف. وما يحصل مع التيار العوني سوى تعبير صارخ وجلي، ليكون نموذجاً وعبرة أمام من يتجرأ ويقترب من الشيعة ويتحالف معهم.
ففي ظل هذه الوقائع التي لا تحتمل الشك، يصير بداهة السؤال عن سرّ هذا الاستهداف الممنهج للشيعة (دولياً واقليمياً ومحلياً) مع أنّهم ليسوا أكثر عدداً في لبنان والمحيط، وهم كانوا بالأمس القريب الأكثر استضعافاً وحرماناً وأدنى رتبة في سلّم الاجتماع اللبناني، إلى الحد الذي سمح البعض لنفسه الجرأة بأن يخرجهم من دائرة التاريخ؟
أولى التفسيرات، من مؤامرة اختطاف الإمام السيد موسى الصدر وتغييبه، الذي بدأ مرحلة وضع هذا المكون الاجتماعي بأيديولوجيته النهضوية والثورية في الفعل والتأثير الايجابي في دفع حركة التاريخ نحو هدفية العدالة الاجتماعية، حيث راح يجمع التشتت الشيعي وفق رؤية (وطنية- عربية وإسلامية) قد برع في رسم معالمها، حتى أمكن القول، بأنّ هذه الخطوات التأسيسية وثيقة الصلة بمآلات شيعة لبنان الآن، والتي نورد أهم معالمها:
إنّ شيعة لبنان هم من يتصدّر الجهود لإحباط مخطط دولي يعمل جاهداً للقضاء على ثقافة المقاومة في المنطقة، والذي اتخذ من مصر كامب ديفيد رافعة له، حين رسم شيعة لبنان (بدمهم وعرقهم ودموعهم) نموذجهم المقاوم بتحويل اجتياح لبنان في العام 1982، من نهاية لسيادة لبنان إلى إطلاق العداد العكسي لنهاية كيان العدو.
إنّ شيعة لبنان هم الأكثر إسهاماً في جعل القضية الفلسطينية أولوية، بعدما كادت تدخل في دائرة الاحتواء لجعل التطبيع مع العدو الإسرائيلي أمراً عادياً، وتوطين الفلسطينيين في الشتات حتمياً.
إنّ شيعة لبنان قد غيّروا بشبابهم وجه لبنان (القويّ بضعفه) حتى صار مصدراً لضعف الأعداء ومهانتهم، وفيما كان العدو الإسرائيلي يذلّ الجيوش العربيّة ويقهرها، بات يفتش عمّن يحميه من بصيرة هؤلاء الشباب وبأسهم.
إنّ شيعة لبنان هم في طليعة من كسروا الزحف التكفيري الذي أريد له أن يغزو المنطقة بتوحشه وهمجيته ليقدم صورة بائدة عن الإسلام والمسلمين، ويلغي هذا التنوع الثقافي الأساس في تشكل هوية المنطقة وجاذبية أهلها.
إنّ شيعة لبنان هم الأمل الحقيقي لاستخراج لبنان ثرواته الطبيعية الغنية بمواردها والتي هي الترياق الأفعل في الخروج من الضائقة الاقتصادية وتردي الأحوال المعيشية.
نعم، ولأنّ الشيعة كذلك بات واضحاً لماذا يجب أن يتم تحرير لبنان منهم، والبداية من نزع عناصر القوة التي جعلتهم على هذا المستوى من الاقتدار والفاعلية، في تخليهم عن المقاومة وسلاحها، وعودتهم إلى التمزق والتشتت فيما بينهم، وفي عزلهم عن أي حليف محلي أو اقليمي.
إنّ تلك الأماني لا تخدم إلّا جهة واحدة وعدوّة للبنان وشعبه هي الأكثر تضرراً من هذا الاقتدار والفاعلية، ولكن هيهات.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
الكاتب: د. احمد الشامي