بعد العملية الفدائية التي نفّذها الشهيد رعد حازم وسط "تل أبيب" في شارع "ديزينغوف" اقتحمت قوات الاحتلال مخيّم جنين لهدم منزل عائلة الشهيد واعتقال والده، لكنها وبفعل تصدي المقاومين الذي اشتبكوا مع الجنود خرجت دون تحقيق الأهداف فيما أدى هذا الاشتباك الى استشهاد الفلسطيني (أحمد السعدي) وإصابة آخرين. وبعدها تتالت المواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال عند الحواجز ونقاط التماس وهي مستمرة بسبب اعتداءات الاحتلال على المسجد الأقصى والمصلين واقتحام المستوطنين في أيام عيد الفصح اليهودي.
وفي مقاله في صحيفة هآرتس، يقول الكاتب الإسرائيلي المعروف جدعون ليفي أن 17 فلسطينياً قتلتهم "إسرائيل" في أسبوعين، إنها "بوتشا (قرية اوكرانية شهدت مواجهات دامية) صغيرة بدون حرب، هي عملية كبيرة لكن دون أن يطلق عليها صفة الإرهاب".
المقال المترجم:
انتظرنا عبد الكريم السعدي في مكان اللقاء الثابت في ساحة مصنع الجلود على مدخل طولكرم، والذي تفوح منه رائحة كريهة. دخل السعدي الى سيارته غاضبا، صوته مختنق وهو يرتجف. عبثاً حاول منع نفسه من البكاء. كان غاضباً مما شاهده في مخيم جنين للاجئين: "أنتم تدفعون كل أبناء المخيم الى أحضان الإرهاب"، قالها بصوت المنكسر المستسلم صاحب التجربة الذي يعمل في المنطقة، وقدشاهد كل شيء سابقا.
كان هذا الأسبوع الماضي بعد مرور عدة أيام على عملية شارع ديزنغوف في ذروة الملاحقات الواسعة والغبية بحثاً عن والد منفذ العملية رعد حازم. الوالد المفجوع كان اغضب الأجهزة الأمنية بكلماته المتغطرسة حول الانتصار الفلسطيني القريب، لذلك أعلنوا البحث عنه، وعن أولاده الذين ما زالوا على قيد الحياة. "أنتم ستشهدون في جيلكم الانتصار بأعينكم"، قالها الوالد لأصدقاء ابنه الشباب المتحمسين والذين تجمعوا تحت نافذة بيته. الشاباك والجيش لا يحبون الفلسطينيين الذين يتحدثون بهذه الصورة. حيث لا يسمح لهم سوى الانحناء والصمت، أما التهديد والتبجح فهو مسموح به لنا فقط.
الاهل المفجوعين عندنا بالطبع مسموح لهم قول أي شيء في لحظة الحزن،حتى التطاول والتحريض. ولكن الأهل المفجوعين عندهم (الفلسطينيين) محظور عليهما حتى الحزن بهذا الشكل، كي لا تتسرب نغمة من الإنسانية لصورتهم. وبالطبع محظور عليهم التحدث بروحية وغضب المفجوعين بابنهم. ردا على ذلك أطلق الجنود النار على سيارة اشتبه بأنه كان يسافر فيها شقيق منفذ العملية. "كانت هناك إصابات والملاحقة استمرت"، هكذا رفع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي من معنويات الإسرائيليين الذين كانوا لا زالوا يريدون رؤية والد المخرب مقتولا أيضا. هذه المطاردة أججت النفوس في مخيم جنين. الوالد المفجوع لم يتم اعتقاله بعد. فشل أمني حقيقي. ولكن يمكن الاعتماد على الشاباك وعلى الجيش في عدم تركه موجوداً في الحداد، وأن يواصلوا استخدام جميع القوة الى أن يتم اعتقاله بتهمة التحريض، وربما حتى تتم تصفيته.
في الأسبوعين الاولين في شهر نيسان قتل 20 شخصا، ثلاثة إسرائيليين في ديزنغوف و17 فلسطينيا في أرجاء الضفة الغربية وفي عسقلان. كل ذلك بعد موجة عمليات الشهر الماضي التي قتل فيها 11 إسرائيليا، و 11 فلسطينيا في نفس الشهر.
في أجواء العمليات يتحرر الجيش من الضوابط . فمن الذي لم يُقتل على أيديهم؟ فتى عمره 17 سنة في كفردان؛ محامي عمره 34 سنة على مدخل جامعة طولكرم؛ فتى عمره 14 سنة في حوسان؛ بعد يومين على قتلهم في نفس القرية أيضا ارملة أم لستة أولاد تقريبا شبه كفيفة؛ 17 قتيل فلسطيني في غضون أسبوعين، وقد أعلن بأنهم من المخربين، ولكن غالبيتهم الساحقة لم تكن مطلوبة بتهمة القتل. وسائل الاعلام تحدثت بشكل مختصر، وبالطريقة الدعائية التي تمليها عليها الأجهزة الأمنية، المعلومات التي نشرت بعضها أكاذيب، هدفها طمأنة الاسرائيليين. الأرملة الكفيفة حاولت الطعن! وعندما لم يتم العثور على السكين نسبوا ذلك لعمل شيطاني، قالوا بالتأكيد هي ارادت الانتحار؛ المحامي الذي قام بإحضار ابن شقيقه للمدرسة شارك في المواجهات؛ الفتى الذي قتل قام بإلقاء زجاجة حارقة؛ وحتى الفتى المعاق والمريض بالسرطان والذي يقف بصعوبة على قدميه، عندما اعتقل من قبل الجنود قالوا إنه رشق الحجارة "القاتلة" بذراعيه الضعيفين اللذين لا يستطيع بهما رفع حذائه. كل هذه الدعايات قبلها الإسرائيليون على عمى، وربما حتى بحماس. لأن كل شيء مسموح عندما يتعلق الامر بحياة الفلسطينيين.
كل قتيل مثل حازم يعني ان يكون هناك حداد وفاجعة لعائلته. بل أيضا إنهاء لمصدر الرزق الأخير في حالات كثيرة. ابنهم قُتل، ومهما كانت الظروف لكن سيتم سحب تصريح العمل من عائلته في إسرائيل لسنوات طويلة، كي لا يأتي يوم الانتقام. فلا تكفيهم كارثة واحدة، بل الأفضل كارثتان.
وكما هي حال التعذيب في الصين فان جميع الموتى سيعلن عنهم قطرة قطرة وشيئا فشيئا الى حين الهجوم الثاني، وفي كل مرة سيتم الاثبات بأن الفلسطينيين هم القتلة. في كل يوم أو يومين يقتل شخص أو شخصان. ثم يعود الإسرائيليون ليصبحوا هم الضحية الوحيدة. وعيون العالم شاخصة نحوهم. 17 قتيل في 15 يوما هي "بوتشا" ( قرية اوكرانية شهدت مواجهات دامية) صغيرة بدون حرب. عملية كبيرة دون أن يطلق عليها صفة الإرهاب.
المصدر: هآرتس
الكاتب: جدعون ليفي