"للأسبوع الرابع على التوالي يتابع الأساتذة توقفهم القسري عن الحضور إلى كلياتهم، دون أن يرف جفن للسلطة السياسية وكأن صوت الأساتذة غير مسموع أو أن الجامعة الوطنية لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد... إننا كطلاب نطالب بإلحاح شديد كل وزير وكل مسؤول وكل مهتم بالتعليم العالي في لبنان وكل من يعنيه مستقبل شباب لبنان الضغط لإقرار جميع ملفات الجامعة اللبنانية وتأمين مستلزماتها الأساسية لاستمراريتها".
هذا ما جاء في نص بيان طلاب الجامعة اللبنانية في دعوتهم الى وقفة تضامنية مع اساتذتهم، كلمات تختصر حجم الأزمة والمعاناة التي يعيشها أهم صرح تربوي في لبنان والذي يضمّ نحو 86 ألف طالب لبناني وأجنبي ويشكلون ثلث الطلاب في هذا البلد.
الرؤساء الثلاث مسؤولون عن المحاصصة الطائفية والتعطيل
تٌكبّل المحاصصة الطائفية ملفات الجامعة اللبنانية، فكل فريق سياسي يتغطى بعباءة طائفته من أجل تحقيق حصة – تشبع أهواءه – لا سيما في تعيينات العُمداء، وقد حمّل أستاذ الجامعة اللبنانية الدكتور "م. س" في حديثٍ مع موقع الخنادق "الرؤساء الثلاث مسؤولية المقامرة بمصير الجامعة وحياة الأساتذة والمدربين والموظفين ومستقبل الطلاب لصالح الحسابات الطائفية البغيضة والنّكد السياسي". ويضيف "ان من يعطّل الجامعة وملفاتها الآن هو خلاف على تعيين عميدي كليتي العلوم والآداب، بين قطبين سياسيين رئيسيين".
هي ملفات عالقة أصابت العام الجامعي الحالي بالشلّل وخاصة مع إضراب الأساتذة القسري المستمر منذ حوالي الشهر، وتهدّد هذه الملفات مستقبل الأعوام الدراسية القادمة، ومنها:
1_ ميزانية الجامعة
الميزانية المتوفرة حالياً يقول المعنيون في الجامعة إنها تكفي الكلفة التشغيلية فقط لمدة شهرين لمراكز الجامعة وهي (حوالي الـ 60 مركزا)، كما أن الموازنة التي قدّمتها الحكومة لعام 2022 لم تراع زيادة الانفاق على الجامعة في حين زادت الدولة من الانفاقات على نحو لافت في أغلب القطاعات الأخرى، ورفعت من الضرائب على الدّخل.
هذا الاجحاف في ميزانية الجامعة والظلم بحق طلابها وأساتذتها لم يكن المرة الأولى أو الأول من نوعه، ففي عام 2018 كانت الوحيدة دون غيرها من القطاعات التي حُرمت أيضاً من الزيادات المالية في سلسلة الرتب والرواتب، ويرى أساتذتها ان هذا التعاطي اللامسؤول من قبل الحكومة ووزرائها يشي بوجود مخطط ممنهج لضرب الجامعة الوطنية وإضعافها على حساب الجامعات الخاصة التي يديرها ويرأسها سياسيون ورجال اعمال.
2_ ملف تحويل الأساتذة المتفرغين الى ملاك والمتعاقدين بالساعة الى التفرّغ
ترك المسؤولون اللبنانيون "نخب المجتمع" للمبيت في خيم الاعتصام "بالبرد وعلى الأرض وبرمضان كمان" (على حدّ تعبير أحد الأساتذة) أمام السرايا الحكومي بعد حرمانهم من أبسط حقوقهم خاصة الأساتذة المتعاقدين بالساعة الذين لم يتقاضوا أجر ساعات عملهم منذ أكثر من سنة، وهو "عيب بحق الوطن وبحق العلم والمتعلمين" (يتابع الأستاذ)، فيما يقول رئيس رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية الدكتور عامر حلواني أنه "تم وضع الأستاذ الجامعي في موقع بشع". كذلك ضمّت الدكتورة منى رسلان صوتها في اتهام "السلطة القمعية المفتونة بفكرة بيع أو رهن أصول الدولة أو الذهب" في تقصيرها المتعمّد بحق الجامعة.
وفي الشمال، نفّذ الأساتذة المتعاقدون والمدّربون والطلاب اعتصامًا أمام منزل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في الميناء – طرابلس، وطالبوا بإقرار النقل والضمان والطبابة والمنح المدرسية كما طالبوا بإنهاء عقود المصالحة المجحفة "التي باتت تشكل خطرًا على حياتهم الاجتماعية".
ومن ناحية ثانية، يسرق هذا التقصير الممنهج حقّ عشرات آلاف الطلاب اللبنانيين الذين لم تترك لهم الأزمات الاقتصادية والمعيشية سوى خيار الجامعة اللبنانية شبه المجاني، حقّهم في التعلّم. كما أن مماطلة الدولة بهذه الملفات تؤخّر طلاب السنوات الأخيرة (إجازة أو ماجستير) من الالتحاق بالجامعات الأجنبية في الخارج لاستكمال التعليم العالي.
الحكومة تعقّد الأمور!
الخلافات على المحاصصة في التعيينات أجلّت انعقاد مجلس الوزراء الى الخميس المقبل، فيما تغيب ملفات الجامعة ومطالب الأساتذة ومصلحة الطلاب والجامعة الوطنية عن جدول أعمال الاجتماع المقرّر انعقاده في بعبدا، ما يدلّل على استهتار المسؤولين السياسيين المعنيين، و"يبشّر" بتعقيد الأمور أكثر، وترك الجامعة في مصير مجهول وانجرافها نحو الانهيار الكامل.
الجامعة: قطاع منتج ومساحة الإنجازات
لا تجحف الدولة فقط بحقّ الأساتذة والطلاب، بل تغامر أيضاً بإنجازات الجامعة ومستواها التعليمي الذي ينافس الجامعات العالمية، كما ترمي باسمها الذي بناه الأساتذة بعرقهم وجهدهم منذ عقود، فقد سجلت الجامعة اللبنانية تقدماً ملحوظاً على المستوى العالمي في عام 2022 مقارنة بأرقام عام 2021 وقد وضعها تقرير مؤسسة QS – Quacquarelli Symonds للتصنيف العالمي للجامعات/2022 في المرتبة الأولى محلياً في تعليم اختصاصات الهندسة البترولية والفنون الإعلانية والتصميمية والعلوم الصيدلانية والدوائية، فيما حققت المرتبة الثانية في تعليم الهندسة المعلوماتية والكيميائية والكهربائية والإلكترونية والعلوم الطبية والكيمياء.
وعلى المستوى العالمي، من أصل 1543 مؤسسة تعليمية عالمية شاركت في التصنيف، احتلت الجامعة اللبنانية المرتبة 390 عالمياً في تعليم مواد الهندسة والتكنولوجيا جميعها، والمرتبة 201 – 230 في تعليم مواد الفنون والتصميم والمرتبة 251- 300 في تعليم الصيدلة والمرتبة 451- 500 في تعليم العلوم الطبية".
ومن ناحية ثانية يُعدّ خريجو الجامعة اللبنانية (بالآلاف كل عام ومن مختلف الاختصاصات) عصب الدورة الاقتصادية في لبنان، اذ يشكلون الكادر والطاقات البشرية التي تصبّ انتجاها وخاصة الفكري في البلد. وإن توجهاً جدياً مطروحاً للاستثمار الجامعة ضمن مشاريع إنتاجية تنموية وعلى سبيل المثال إنشاء مركز طبي يقدّم الخدمات الصحية بما يعود بالإيرادات السنوية على خزينة الدولة.
صندوق النقد: لتأهيل القطاع العام لا تقليصه
السؤال الذي يطرحه اهل الجامعة متى تتحرّر الجهات السياسية المعنية من المحاصصات الطائفية لأجل لبنان أولاً ثمّ جامعة الوطن ثانياً، وخاصة أن فرصة مهمة يعرضها صندوق النقد الدولي – الذي تحمله الحكومة شعاراً لإدخال المال الى البلد – يستثني القطاع العام من "الإصلاحات" التي يطلبها قبل منح القروض، وهو ما أكّده رئيس بعثة صندوق النقد الدولي أرنستو راميريز حين قال "أي ّ أموال توجد اليوم يجب أن تخصّص لحماية صغار المودعين، وودائع الجامعات والمستشفيات وشركات التأمين الصحي وصناديق التعاضد"، مضيفاً "في السابق كنا مع تقليص القطاع العام لكننا الآن وخلافاً لموقفنا السابق مع إعادة تأهيله ليسهم في الواردات".
هذا وتضم الجامعة اللبنانية نحو 86 ألف طالب، و5500 أستاذاً، 3700 منهم متعاقدين بالساعة دون أي حقوق او تقديمات أو ضمان صحي او اجتماعي وهم متساوون في الواجبات مع الأساتذة المتفرغين والملاك، وقد هاجر المئات منهم الى الخارج، بالإضافة الى نحو 2000 موظف ومدرب لا يتقاضون رواتب شهرية.
الكاتب: غرفة التحرير