سجّل شهر آذار / مارس الماضي كثافة في عمليات المقاومة الشعبية في القدس والضفة الغربية كما في الدّاخل المحتل، حيث نُفّذ 821 عملاً من بينهم 52 عملية إطلاق نار واشتباك مسلح - خاصة في جنين - مع قوات الاحتلال متوزعين على 56 نقطة تماس. كما بلغ عدد عمليات الطعن 9، والدهس 2. وقد أدّت هذه العمليات الى قتل 12 اسرائيلياً وإصابة 64 آخرين، وهي حصيلة لم يشهدها الاحتلال منذ العام 2017.
وفي هذا السياق، يعترف الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي في صحيفة "هآرتس" العبرية، أن عمليات المقاومة هي السبيل الوحيد للفلسطينيين في النضال من أجل مصيرهم، "إذا ألقوا السلاح فان مصيرهم سيحسم ليصبحوا الهنود الحمر في الشرق الاوسط، أقلية تم نسيان قضيتها وتلاشت الى الابد".
النص المترجم:
طريق الإرهاب (المقاومة) هي الطريق الوحيدة المفتوحة امام الفلسطينيين للنضال من اجل مصيرهم. طريق الإرهاب (المقاومة) هي الطريق الوحيدة من اجل تذكير اسرائيل والدول العربية والعالم بوجودهم. لا توجد لهم طريق غيرها. اسرائيل علمتهم ذلك. إذا لم يستخدموا العنف فانه سيتم نسيانهم من قبل الجميع. هذا لا يعتبر تخمين افتراضي، بل هذا تم اثباته في الواقع دائما. عندما يصمتون فان قضيتهم تتبخر وتنزل عن جدول اعمال اسرائيل والعالم.
انظروا ما الذي يحدث لغزة بين فترتي إطلاق صواريخ، من الذي يهتم بها، من الذي يقلق عليها؟ الجميع اصلا يريدون نسيان وجود الفلسطينيين. كفى، لقد مللنا من معاناتهم، والهدوء يمكن من ذلك. فقط أزيز الرصاص ولمعان السكاكين وهدير الصواريخ، كل ذلك يذكر بأنه هنا يوجد شعب وله مشكلة فظيعة يجب حلها. الاستنتاج قاس ومخيف. فبالإرهاب (المقاومة) فقط سيتم تذكرهم. فقط بالإرهاب (المقاومة) ربما سيحصلون على شيء ما. أمر واحد مؤكد وهو أنه إذا القوا السلاح فان مصيرهم سيحسم ليصبحوا الهنود الحمر في الشرق الاوسط، اقلية تم نسيان قضيتها وتلاشت الى الابد.
يمكن التناقش حول شرعية الإرهاب (المقاومة) الفلسطيني وتعريفه. من يقتل أكثر ومن هو أكثر وحشية، اسرائيل أم هم. مؤخرا تحدثنا هنا عن طالب فلسطيني خرج للتنزه في الطبيعة وتم إطلاق النار على رأسه. وعن طفل حمل زجاجة حارقة امام جدار بارتفاع 20 متر وتم إطلاق النار على ظهره وتوفي. وعن شاب فلسطيني عاد من نادي رياضي والجنود قاموا بإطلاق 31 رصاصة على سيارته. وعن شاب هرب من جنود حرس الحدود، لكنهم قتلوه بإطلاق 12 رصاصة. ألا يعتبر هذا ارهاب؟ بماذا يختلف هذا عن بني براك؟ العنف هو دائما وحشي وغير اخلاقي، عنف المخربين الذين يطلقون النار بدون تمييز على الابرياء وعنف الدولة التي ترتدي الزي العسكري، الذي يستخدم ضد الفلسطينيين بمن فيهم الابرياء بشكل روتيني.
الفلسطينيون صمتوا بشكل نسبي خلال أشهر، صمتوا وحصلوا، صمتوا ودفنوا امواتهم وفقدوا اراضيهم وبيوتهم وما بقي من كرامتهم. وما الذي حصلوا عليه؟ حكومة اسرائيل تعلن بأن قضيتهم لن تناقش حتى في المستقبل القريب لأن هذا غير مريح لها ولا يناسب تشكيلتها. بعد ذلك حصلوا على سديه بوكر. ستة وزراء خارجية قالوا لهم: "مصيركم لم يعد يهمنا". هناك امور ملحة أكثر ومصالح أكثر اهمية.
ما الذي فكروا فيه هناك في فندق "كدما"؟ أن يلتقطوا الصور وأن يتناولوا الطعام ويبتسموا ويتعانقوا ويحجوا الى قبر مؤسس الدولة والقائد العسكري للنكبة – "هنا بدأ كل شيء"، قال يائير لبيد بتعاطف. فهل يجب على الفلسطينيين التصفيق؟ هل الفلسطينيون سيرون بعيون مغمضة كيف يتم تركهم ينزفون على جانب الشارع ويصمتوا؟ ربما سيكتفون بالحلوى الملونة التي قامت بإلقائها الحكومة عليهم بمناسبة هذا الحدث، 20 ألف تصريح عمل لعمال غزيين؟ وماذا بالنسبة للمليون و900 ألف مواطن الذين يوجدون تحت الحصار؟
العمليات هي العقاب. والجريمة هي الوقاحة والشعور بأنه لا يوجد أي أمر ملح. اسرائيل غير مرتاحة الآن. ائتلاف حساس. لم تكن مرتاحة في أي يوم. الآن توجد إيران وشرق اوسط جديد لا يوجد فيه فلسطينيون. هذا لا ينجح، وكما يبدو لن ينجح في أي يوم. لا يوجد امام الفلسطينيين أي طريقة لإثبات ذلك عدا عن إطلاق النار في الشوارع. شاب مجهول من يعبد قام بقتل مواطنين وشرطي، جعل اسرائيل تفهم ذلك. وبدون ذلك لم تكن لتفهم.
يجب بالطبع محاربة الارهاب. لا توجد دولة توافق على أن يعيش سكانها في ذعر وفي خطر. ايضا مؤتمرات مثل سديه بوكر هي تطور مشجع، ووزير خارجية الامارات، الشيخ عبد الله بن زايد، هو وبحق يثير الانطباع وذكي ودافئ. ولكن عندما قال لبيد "هنا بدأ كل شيء"، ربما كان يقصد أنه هنا بدأت موجة عمليات اخرى استهدفت تذكيره هو ونظراءه بأنه رغم أنه تم تقديم الكباب من السمك البحري هناك على غصن زيتون وأرز بن غوريون والبوملي في نهاية الشتاء، على بعد ساعتي سفر من هناك، يواصل شعب نضاله تحت الاحتلال الاسرائيلي، الوحشي والشمولي والعنيف.
المصدر: "هآرتس" العبرية
الكاتب: جدعون ليفي