بعد 24 ساعة على إعلان التحالف "وقف العمليات العسكرية بالداخل اليمني" شنّت الطائرات الحربية السعودية غارة على وادي السلامات بمنطقة الغيل في محافظة الجوف، وقامت القوات التابعة لها باستحداث عدد من التحصينات في جبهات محافظة الضالع وتحديداً في ميمنة الجب.
هذا الخرق الذي رافقه أيضاً أكثر من 30 استهداف مدفعي في البلق الشرقي وعدد من الجبهات في صعدة والجوف ومأرب، لم يكن مفاجئاً لحكومة صنعاء التي خبرت الالتفاف والتسويف السعودي طيلة السنوات الماضية وباتت تتوقعه، كونه ورقة لا تنفك الرياض تتعامل معها في كل مرة على أنها الطريقة الوحيدة لكسب مزيد من الوقت في ظل الضغوطات المتزايدة التي تتعرض لها.
كانت آخر الأزمات التي وقعت بها الرياض، الخسائر التي تكبدتها في منشآتها النفطية نتيجة الاستهداف الذي شنته القوات المسلحة اليمنية خلال عملية كسر الحصار الثالثة والتي تعد الأعنف من بين العمليات السابقة، وأتت في ذروة ارتفاع أسعار النفط عالمياً وتقديم الرياض نفسها كلاعب أساسي على مسرح الطاقة الدولي مع حاجة الإدارة الأميركية إليها ايضاً.
جاءت مبادرة رئيس المجلس السياسي في صنعاء، مهدي المشاط، بعيد العملية العسكرية، والتصعيد الروسي بضرورة مبادلة الغاز والنفط الروسي بالروبل بدلاً من الدولار الأميركي، وما يرافقه ارتفاع جنوني بالأسعار والرغبة السعودية في انهاء الحرب لأنها لم تعد تتحمل مزيداً من الخسائر التي راكمتها خلال 7 سنوات، وهو ما أكده وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الذي أكد منذ أيام ان "السعودية طلبت توظيف علاقات إيران في اليمن لإنهاء الحرب". هذه العوامل مجتمعة دفعت الرياض مجدداً لمحاولة انهاء الحرب.
فيما وردت معلومات مرتبطة بالمفاوضات التي تجري بين الوفد اليمني المفاوض والوفد السعودي والتي جرى بعضها بحضور المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، قال ان هناك تقدماً في المحادثات خاصة فيما يتعلق بصفقات تبادل الأسرى والهدنة خلال شهر رمضان إضافة لفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة.
وتشير العلومات على ان الاتفاق يشمل "دخول أكثر من أربعين سفينة إلى ميناء الحديدة، بما فيها سفن المشتقّات النفطية، وتسيير أكثر من خمسين رحلة جوّية تحمل المرضى من مطار صنعاء إلى عدد من الوجهات العربية. كما يشمل صفقة تبادل جديدة، سيستفيد منها 2000 أسير من الطرفين. فيما يخيّم الشك في التزام الرياض بهذا الاتفاق بعد ان أخلّت بمختلف الاتفاقات السابقة.
مستشار المجلس السياسي الأعلى محمد طاهر أنعم، أشار في معرض اتهامه للسعودية إلى ان الأخيرة عادت إلى "أسلوب المماطلة والتسويف والتلاعب بالوقت لمحاولة تهدئة الجبهات العسكرية، واستغلال الوقت بمزيد من الحصار وتحريك الطابور الخامس في الداخل والمرتزقة في الخارج لخلخلة الجبهة الداخلية... الرياض تتلاعب بالوقت في مسألة الأسرى كما فعلت أكثر من مرّة فقد كان مقرّراً تسليم أسماء الدفعة الأولى الاثنين الماضي، إلّا أن السعودية وجّهت مرتزقتها بالتأخير المتعمّد، ولمدّة أسبوع كامل بحسب بيانهم". معتبراً أن "مجرّد جمع السعودية للمرتزقة المحرّضين على الحرب في اليمن في الرياض هو إعلان حرب".
من جهة أخرى، فإن ما أتى على لسان المتحدث باسم التحالف تركي المالكي بأن "وقف العمليات العسكرية يهدف إلى خلق بيئة إيجابية خلال شهر رمضان لصناعة السلام وتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن"، بعيد اعلان الهدنة الأخيرة، يمكن وصفه بأنه مختلف عن كل الاتفاقات السابقة، واعلانات وقف اطلاق النار التي وصل عددها الـ 7، منذ أيار/ مايو عام 2015.
وهنا يمكن وضع سيناريوهات محتملة لما سيرشح عن هذه المفاوضات:
أولاً، قد تأتي هذه المبادرة التي عرضها الرئيس المشاط كفرصة أمام السعودية، التي استنزفت كل قواها في الحرب، والتي تود ان تستثمر الظروف الدولية لناحية النفط والغاز من جهة (من بينها نهب أكثر تنظيماً لنهب النفط اليمني في المناطق التي تسيطر عليها)، ولعب "درو الريادة" التي تطمح له والتي تعتبر ان الامارات قد سبقتها إليه خاصة لناحية تشبيك علاقتها الإقليمية.
ثانياً، مع غياب الضوء الأخضر الأميركي، قد تكون كل هذه الهدن هي مجرد كسب للوقت لإعادة التحشيد ولملمة ميليشياتهم في الداخل اليمني وهو ما قد ينتج عن المؤتمر الذي تستضيفه الرياض. وبالتالي تكون المرحلة القادمة ساخنة للغاية، تكون فيها صنعاء قد اتخذت قرارها بالمضي بعيداً في أهدافها لأنها لم يعد لديه ما تخسره، كما أكد عضو المجلس السياسي محمد البخيتي في حديثه على كلوب هاوس "الخنـادق"، فيكون أمام الرياض خياران: مبادرة المشاط او طائرات الصماد.
الكاتب: غرفة التحرير