منذ لحظة بدء القوات الروسية عمليتها العسكرية في أوكرانيا – لأهداف واضحة – علت الأصوات "المندّدة" من البيت الأبيض معلنةً "فرض عقوبات واسعة" لتخرج واشنطن أمام الاعلام والرأي العام بدور "الداعمة" لأوكرانيا. وكانت العقوبات غير متوقعة الا ان قطاع الطاقة الرئيسي تم استثناؤه!!
الحرب تنسحب رقمياً
أعلنت شركة "فيسبوك" عن حظر وسائل الإعلام الحكومية الروسية من القيام بالإعلانات والترويج على منصات، وهي صفحة وكالة "نوفوستي" الروسية للأنباء، قناة "زفيزدا" ووكالة نوفوستي" و"موقع لينتا. رو" و"موقع غازيتا. رو".
فيما تمثّل الرد الروسي بإعلان الهيئة الروسية للرقابة على الاتصالات "روس كومنادزور"، أن النيابة العامة الروسية اعتبرت موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" متورطاً في انتهاك حقوق وحريات المواطنين الروس. ما يفرض بالتالي قيوداً على وصول المستخدمين الروس الى الوصول إلى موقع "فيسبوك" منذ 25 شباط / فبراير الماضي.
وفي المقابل وقال نائب رئيس الشؤون العالمية في شركة ميتا، نيك كليغ، إن السلطات الروسية "أمرتنا بوقف التدقيق المستقل في الحقائق وتصنيف" محتوى المنافذ الإعلامية الا أننا رفضنا". لكنه أيضاً ادعى أنه يريد من الروس الاستمرار في استخدام منصات ميتا.
وعملت شركة "غوغل" على إزالة وسائط الدولة الروسية من شبكة الإنترنت، وقررت حجب قنوات يوتيوب الخاصة بالمذيعين الروس، وقناة "روسيا اليوم"، و"سبوتنيك" في أوروبا. وبدأت الشركة بحظر وتعليق الإعلانات لوسائل الإعلام الحكومية الروسية على منصاتها المختلفة. وبدورها حظرت شركة "سناب شات" جميع الإعلانات التجارية على الموقع في روسيا وبيلاروسيا.
حرب الأفلام!
أما شبكة أو منصة "نيتفلكس" المتخصصة بإنتاج الأفلام والمسلسلات فقد علّقت موقتًا جميع مشاريع عمليات الاستحواذ المستقبلية في روسيا، وقررت وقف أربع مسلسلات روسية كانت قيد التحضير. الا ان المشاكل الروسية مع الشركة كانت سابقة للعقوبات حيث أن روسيا فتحت بتاريخ 26 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي تحقيقاً ضد "نيتفلكس" بسبب انتهاكها القانون الروسي بعرضها مشاهد تروج للمثلية الجنسية للقاصرين، مهدّدةً إيقاف الشبكة داخل أراضيها.
الحرب الرياضية
على صعيد محاولة تغييب روسيا من الرياضة العالمية، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" الإثنين الماضي عن إقصاء روسيا من المشاركة في كأس العالم 2022 المقررة في قطر، وتجميد كل المنتخبات الروسية الوطنية وأنديتها "حتى إشعار آخر". فيما كانت بولندا قد قررت مقاطعة المباراة التي تواجه بها روسيا في إطار التصفيات المؤهلة لبطولة كأس العالم 2022 حيث كان من المقرر أن يستضيف المنتخب الروسي نظيره البولندي، في موسكو يوم 24 آذار/ مارس.
واشنطن تناور بين مصالحها ومواقفها!
وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات ستكلّف روسيا بعض الخسائر الموضعية الا ان استثناء قطاع الطاقة من "العقوبات" يفضح جزءً من المكر الأمريكي السياسي الذي يريد ترجيح مصالحه حتى على حساب "مواقفه" مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
حيث إن التأثير الفعلي الكبير على الاقتصاد الروسي المؤثر في الأسواق العالمية وخاصة الأوروبية يكمن في قطاع الطاقة. فموسكو هي المصدّر الرئيسي للغاز نحو أوروبا ومنها الى بعض الدول الشرق أوسطية. ومما بات واضحاً بحسب الأوساط الاقتصادية أن القارة الأوروبية هي الخاسر الأكبر فيما لو انقطع عنها الغاز الروسي أو ارتفعت أسعاره، حيث أنها تشتري ما يزيد عن 40% من نسبته في السوق العالمية.
الا أن اللافت، هو استعانة الولايات المتحدة – التي تطرح غازها المسيل كبديل عن الروسي في أوروبا – بالغاز الروسي. ففي كانون الأول / يناير من العام 2018 انطلقت الناقلة Provalys من ميناء "دونكيرك" الفرنسي الى منطقة شمال شرق الولايات المتحدة محمّلة بالغاز الروسي حيث عانت واشنطن في حينها عجزا في إمدادات الغاز الصخري في فترة ذروة الطلب، بحسب وكالة "بوملبرغ" الاقتصادية. وقد كشفت وسائل الاعلام آنذاك ان الولايات المتحدة اضطرت الى الغاز الروسي بسبب "سعره الجذّاب" إذا ما قورن بسعر الغاز الأمريكي في حين كانت تعاني من ارتفاع أسعار غازها لأسباب مناخية.
ولم يكن الغاز الروسي هو فقط ما لجأت اليه واشنطن، فبتاريخ 22 تشرين الثاني / نوفمبر عام 2021 غادرت أربع ناقلات روسية تحمل مليوني برميل من وقود الديزل المصنوع من الغاز الطبيعي إلى الولايات المتحدة، واعتبرت شركة "بلومبرغ" أن ذاك كان الأكبر منذ 2018. ذكرت ذلك مستندة وأضافت الوكالة إن الديزل الروسي ساعد في خفض أسعار الوقود التي وصلت في الساحل الشرقي إلى أعلى مستوياتها في خلال سبع سنوات.
وعلى الرغم من وقف ألمانيا العمل بخط الغاز " نوردستريم 2" في سياق "العقوبات" فلروسيا خطين آخرين لا تزال تعمل من خلالهما على ضخّ غازها في الأسواق العالمية: خط "نوردستريم 1" وخط "يامال" الذي يمثل خط الأنابيب نحو سدس صادرات روسيا السنوية من الغاز الطبيعي إلى أوروبا وتركيا.
ومن ناحية أخرى، يقول المنسق الأمريكي لشؤون الطاقة الدولية، أموس هوكشتاين، أن "الهدف من العقوبات على روسيا ملاحقة المصارف الكبيرة" في حين أن من بين المستثنين مصرف "سبيربنك" الرئيسي في روسيا، والذي يمرّ عبره الجزء الأكبر من التسديدات لإمدادات الغاز والنفط الروسيَين، التي تعتمد عليها الدول الأوروبية بشكل كبير.
وفي النتيجة فان هذه العقوبات الأمريكية ليست كافية لإخراج روسيا من شبكة تفاعلات التجارة الدولية.
الكاتب: غرفة التحرير