يصنّف الخبراء والمراقبون الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا (ومن خلفها الغرب) بالحرب الهجينة. ويعرّف العميد اللبناني المتقاعد الدكتور أحمد علّو، الحرب الهجينة في دراسته "الحرب الهجينة (HYBRID WARFARE) قتال بأرواح الآخرين وبأموالهم"، الصادرة عام 2015 ، بأنها "مصطلح جديد في عالم الحروب الحديثة، وهي وفق بعض المراجع الأجنبية، "استراتيجيا عسكرية تمزج ما بين: مفاهيم الحرب التقليدية، مفاهيم الحرب غير النظامية، والحرب الإلكترونية". ويمكن أن تتضمن الهجوم بالأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية والإشعاعية (RBCN) ووسائط المتفجرات المرتجلة والمحضّرة محليًا، بالإضافة إلى حرب المعلومات".
بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، استخدم حلف الناتو تسمية الحرب الهجينة على اعتبار ان "النزاع الروسي الاوكراني" اتخذ شكلاً جديداً، وزاد استخدام هذا مصطلح في المناقشات العسكرية والإستراتيجية في الغرب.
كانت شركة "مايكروسوفت" الأميركية قد ذكرت أنه في تكتيكات الحرب الهجينة، "غالباً ما توفّق روسيا بين الهجمات الإلكترونية وتلك العسكرية في ساحة المعركة". ورأى الباحث في سياسات الأمن السيبراني بالمجلس الأطلسي (مركز بحثي يقع في العاصمة الأمريكية واشنطن)، تري هير، إنَّ "روسيا لديها إمكانيات تتيح لها استعمال الحرب السايبرانية في عرقلة اتصالات أعدائها وإمداداتهم وقدراتهم التنظيمية، ما أدى بالعديد من المحللين إلى توقع استخدام روسيا لتلك التكتيكات في حربها الحالية مع أوكرانيا".
وأضافت "مايكروسوفت" أنه في نيسان / ابريل الماضي أنّه "قبل بدء الحرب مباشرة، رصدنا ست جهات فاعلة منفصلة متحالفة مع روسيا تشن أكثر من 237 عملية ضدّ أوكرانيا". وزعمت أن الهدف من هجمات منسقة كهذه "تعطيل أو إضعاف الحكومة الأوكرانية والأجهزة العسكرية وتقويض ثقة الجمهور بها". فالحرب السايبيرية والعمليات الالكترونية سبقت العملية العسكرية في أوكرانيا ويبدو أنها مهّدت طريقها.
كما ادعت "مايكروسوفت أنها تعقبت نحو 40 هجوما إلكترونيا استهدف مئات الأنظمة، وتركز ثلثها على المنظمات الحكومية الأوكرانية من مختلف المستويات، في حين تم استهدف 40 % من البنية التحتية الحيوية. وبعض هذه العمليات تسمى "هجمات المساحات" التي تحذف البيانات الحيوية في أنظمة الكمبيوتر المخترقة".
كذلك زعمت كييف أنه قبل ساعات فقط من بدأ العملية العسكرية الروسية في أراضيها تفشّى نوعٌ من البرامج يُسمَّى "الماسح" Wiper في الأنظمة الحوسبية الخاصة بالحكومة الأوكرانية، متلفًا بياناتها. وقبل أسبوع من العملية الروسية، تعرّضت أوكرانيا لهجمات طالت المواقع الإلكترونية للبنوك الأوكرانية ما أدى إلى تعذُّر الوصول المستخدمين اليها.
وفي 15 فبراير/ شباط 2022، زعمت كييف عن تعرّض مواقع إلكترونية رسمية عديدة، من بينها موقع وزارة الدفاع ووزارات أخرى ومصارف مالية، لهجمات سيبرانية أدت إلى إغلاق الوصول إلى هذه المواقع على الإنترنت. سبق ذلك، عمليات سيبيرية في 14 يناير/ كانون الثاني 2022، حين قالت وزارة التربية والعلوم الأوكرانية إن هجوماً سيبرانياً واسعاً تعرضت له مواقع حكومية، منها وزارتا الخارجية والطوارئ. وأعلنت الوزارة على صفحتها في "فيسبوك"، أن موقعها الرسمي "مغلق مؤقتاً، بسبب الهجوم الشامل" كما تعذّر الدخول أيضاً إلى مواقع وزارات أخرى.
اتهمت كييف موسكو، في فبراير/ شباط 2021، أيضاً، بتدبير هجمات إلكترونية كبيرة زاعمةً أن مجموعات قرصنة مدعومة من روسيا شنت هجمات على مواقع الأمن والدفاع الأوكرانية، وحاولت نشر وثائق. وفي تموز/ يوليو 2018، ادعت الشرطة الأوكرانية أيضاً أن مجموعات قرصنة من روسيا شنت هجوماً سيبرانياً استهدف شركات أوكرانية ببرمجيات "خبيثة".
قالت المتخصصة في الأمن الحاسوبي بكلية هارفارد كينيدي في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية، لورين زابيريك، إنّه في عامي 2015 و2016، عطَّلت الهجمات المنسوبة لروسيا شبكات الطاقة في أوكرانيا لعدة ساعات.
كلّ هذه الاتهامات تستند فقط الى تقارير أمريكية وأوكرانية، فيما لا يمكن الجزم ما اذ كانت روسيا فعلاً هي المسؤولة، فالحرب السايبيرية لا تخضع لقوانين ومحددات دولية، ولا تزال تعتبر حرب ظل وخفاء لا يُجبر فيها الفاعل على الاعتراف بالفعل (على غرار الحرب بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والكيان الاسرائيلي). لكن مع الإقرار بقوة موسكو السايبيرية، فإن استخدامها ليس مستبعداً وإذ ما كثّفت منها وجعلتها على رأس الأولويات ضمن استراتيجياتها لمواجهة الغرب في أوكرانيا، فإنها قادرة على قلب الطاولة بما يطيح بـ "انجاز" التقدّم البري الأوكراني في بعض المناطق.
وكان خبراء عسكريون قد حذّروا قبل تاريخ 24 شباط / فبراير 2022، أن الحرب في أوكرانيا قد تكون أكبر صراع في أوروبا منذ ما يقرب من 80 عاماً.
الكاتب: مروة ناصر