في تصرف خطير يمس بروح الدستور اللبناني، الحامي للحريات الشخصية التي من ضمنها حرية التعبير. ويخالف أيضاً، العديد من مواد الإعلان العالمي لحقوقي الإنسان. توجّه وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي بكتاب الى النيابة العامة التمييزية، طالباً فيه إجراء ما يلزم، تبعاً للنصوص القانونية بحد تعبيره (وهذا ما سنقوم بدحضه)، لناحية ملاحقة المنظمين والمتكلمين في الندوتين اللتين عقدتا في قاعة رسالات في منطقة الغبيري، وهم شخصيات سياسية معروفة وعلماء دين وإعلاميين لبنانيين، وتم خلالهما تبيين جرائم واعتداءات السلطات البحرينية الرسمية (فيما وصفهم المولوي في بيانه بأنهم تعرضوا للسلطات البحرينية بشكل خاص ولدول الخليج بشكل عام).
ثم أكمل الوزير المولوي بيانه بأن المنظّمين والمتكلمين لم يستحصلوا على الموافقة الإدارية الرسمية المسبقة وفقاً للأصول القانونية، متهماً إياهم بعرقلة المهمة الرسمية اللبنانية من أجل تعزيز العلاقات مع دول الخليج، والتي يشهد على مدى نجاحها إجراءات الحصار والعقوبات والاعتداء على السيادة، من خلال فرض استقالات الوزراء وهبة وقرداحي.
وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على أن الوزير المولوي ماضِ بتنفيذ سياسته بتقديم فروض الطاعة لدول الخليج، ومحاربة كل من يعارضها في لبنان، رغم ما يدعيه من أن ذلك ينبع من حرصه على علاقات لبنان بالدول الصديقة له.
فهل يوضح لنا الوزير ماذا اتخذ من إجراءات بحق الصحفية رنيم بو خزام، التي اتهمت سوريا أثناء مقابلة تلفزيونية لها مع المبعوث الأمريكي "عاموس هوكشتاين" بالعدو، وزعمت أن أكثرية اللبنانيين يعتبرونها كذلك؟!
وليخبرنا الوزير أيضاً عما فعله في حماية علاقات لبنان مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الداعم الأكبر للشعب والمقاومة، حينما تعرض لها فئة قليلة من الشعب، من خلال تجمعات وتظاهرات وندوات، موجهين لها الاتهام باحتلال لبنان؟
وعليه فإن خير من يجيب الوزير المولوي، ومن يقف خلفه من سياسيين ورؤساء ربما، هو ما توجه به الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير حينما قال: " نحن نحمي هوية لبنان الذي نص عليها في مقدمة الدستور وفي مواده القانونية، بلد الحريات، هذا لبنان بلد الحريات منذ تأسيسه"، مضيفاً بأن أحد أجزاء هوية لبنان هي حرية التعبير، وحرية الاعلام. مبيناً أن "لبنان طول عمره ملجأ كل المعارضات السياسية في العالم العربي وفي العالم". وأكد على أن"الذين إجتمعوا أول أمس في قاعة رسالات هم الذين يحمون هوية لبنان الحقيقية، ويحمون الحريات في لبنان، في لبنان بلد الحريات من حق الشعب البحريني المظلوم أن يُحيي ذكرى إنتفاضته في 14 شباط، من حق الشعب اليمني المظلوم أن يصرخ ليتحدث عن أطفاله وعن نسائه وعن شعبه الذي يُذبح ويُجزر ويُدمر في كل ليل ونهار في اليمن بفعل العدوان الاميركي السعودي على اليمن، من حق اي انسان في هذا العالم ان يأتي الى لبنان ويتكلم". رافضاً وجود حرية بسمنة وحرية بزيت، بحيث يسمح لكل معارضي الدول المتخاصمة مع أمريكا والدول التابعة لها، بحرية التعبير والاجتماع والقيام بمختلف الفعاليات، فيما يحرم معارضو أمريكا والدول التابعة لها من القيام بذات الأمور.
فما هي أبرز مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تعدّى عليه الوزير المولوي؟
_ المادة 2 للإعلان التي تمنح كلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة فيه، دونما تمييز من أيِّ نوع حتى بالنسبة لوضعه السياسي أو البلد الذي ينتمي إليه.
_ المادة 9 التي لا تجيز اعتقالُ أيِّ إنسان أو حجزُه أو نفيُه تعسُّفًا، وهذا ما فعله الوزير أواخر العام الماضي 2021، عندما قام بترحيل ناشطين بحرانيين، بعد أن عقدوا مؤتمراً صحفياً يفضحون فيه جرائم السلطة، وهذا ما ينقض أيضاً اتفاقية مناهضة التعذيب (التي وقعت عليها الدولة اللبنانية).
_ المادة 14 للإعلان التي تنص على أنَ لكلِّ فرد حقُّ التماس ملجأ في بلدان أخرى، والتمتُّع به خلاصًا من الاضطهاد. (ما يعني أن من حق المعارضين للسلطات البحرانية اتخاذ لبنان ملجأ لها، خاصة في ظل جرائم القمع اللاإنسانية التي تتخذها هذه السلطات بحقهم).
_ المادة 19، التي تعطي الحق لكلِ شخص بالتمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، واعتناق الآراء دون مضايقة، والتماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود. (ويشمل هذا الحق بطبيعة الحال المشاركين والمتكلمين اللبنانيين في هذه الفعاليات أيضاً).
_المادة 20، التي تتيح حرِّية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية.
لذلك فإن الوزير المولوي، الذي تدرج سابقاً في سلك القضاء، عليه قبل غيره مسؤولية مضاعفة السهر على حماية وتأمين حقوق المواطنين والمعارضين المضطهدين الهاربين من بلادهم، إنطلاقاً من حرصه على تطبيق دستور بلاده والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. لا أن يكون جلاداً بأيدي الأنظمة القمعية والرجعية، التي لا تعترف بحقوق الإنسان، وأن يبرر ذلك بحرصه على مصلحة بلاده (مع أن الواقع لا يعكس ذلك).
الكاتب: غرفة التحرير