في الرابع عشر من تشرين الثاني من العام 2020، بدأت المفاوضات الرسمية غير المباشرة بين لبنان و"إسرائيل" لترسيم الحدود البحرية بحضور ممثلين عن كِلا الطرفين، وذلك برعاية أممية - أمريكية في مقر قوة الأمم المتحدة المؤقتة "اليونيفيل" في بلدة الناقورة جنوب لبنان عند الحدود مع فلسطين المحتلة، إلا أن الآمال المعقودة على نجاح هذه المفاوضات تبددت بعد الجلسة الرابعة، حيث تم تأجيل المفاوضات بسبب رفض الجانب الإسرائيلي للمقترحات اللبنانية.
وتعود القضية إلى العام 2007 حيث قامت قبرص بعقد اتفاقيات ثنائية منفردة مع البلدان التي تتشارك معها المياه الإقليمية مثل لبنان، سوريا، مصر، الكيان الإسرائيلي وغيرها... وفي كانون الثاني من العام نفسه عقدت اتفاقية بين لبنان وقبرص تقضي بترسيم حدود المنطقة الاقتصادية لكليهما، إلا أن لبنان لم يوقع، وقام بتشكيل لجنة لمتابعة الملف في أواخر العام 2008 انتهت بنقل نقطة الزاوية الجنوبية الغربية للمستطيل من 1 الى 23، وبذلك يحصل لبنان على مساحة 860 كم² زيادة عما كانت الاتفاقية مع قبرص تعطيه. وفي العام 2010، أبلغ لبنان الأمم المتحدة بحدوده الجديدة، وأصدر مجلس الوزراء المرسوم 6433 في العام 2011 مثبتًا فيه حدوده البحرية مع فلسطين المحتلة من طرفه فقط.
في تلك الفترة الممتدة بين عامي 2007 و2011، كانت قبرص قد عقدت اتفاقية مع "إسرائيل" لكن المشكلة تكمن في أن الاتفاق أدى عمليًّا إلى دخول "إسرائيل" حوالي 860 كم² داخل المنطقة الإقتصادية التي أعلن عنها لبنان. ونتيجة لهذه الأحداث والنزاع المشتعل بين الطرفين، تولت الولايات المتحدة الأمريكية مهمة الوساطة والتي تمثلت بمراحل أساسية كان بدأها المبعوث الخاص السابق إلى سوريا ولبنان "فريديريك هوف" عام 2013 الذي اقترح تقسيم المنطقة المتنازع عليها مؤقتًا بنسبة ثلثين لصالح لبنان وثلث لصالح "إسرائيل"، لكن اقتراحه لم يلقى الترحيب من اللبنانيين. أما المرحلة الثانية فتمثلت بالمقترح اللبناني حول آلية التفاوض والذي حمله مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى "ديفيد ساترفيلد" إلى سلطات الكيان الإسرائيلي فحقق تقدمًا كبيرًا، وتم الإتفاق في المرحلة الثالثة على المباحثات غير المباشرة بين الطرفين لترسيم الحدود وذلك بوساطة "ديفيد شينكر" الذي استلم مكان "ساترفيلد".
في بداية المفاوضات، سارت الأمور بشكل هادئ إلا أن فجّر الوفد اللبناني المفاوض قضية كانت بمثابة القنبلة واستدعت توقف المحادثات، وهو ما كشفه المكتب الهيدروغرافي البريطاني (UKHO) عن نتائج لدراسة تثبت حق لبنان بمساحة 1400 كم² إضافة إلى 860 السابقة، وبذلك تصبح المساحة المتنازع عليها 2200 كم²، ما أثار غضب واستياء الجانب الإسرائيلي، فقد اعتبر وزير الطاقة الإسرائيلي "يوفال شتاينتز" أن المواقف التي قدمها لبنان تصل إلى "حد الاستفزاز"، متهمًا لبنان بتغيير موقفه بشأن ترسيم الحدود، ومحذرًا من وصول المفاوضات الى طريقٍ مسدود.
فيما بعد، عملت الحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب على إعادة إحياء وتعديل المرسوم 6433، فبعد اجتماعات دامت لأكثر من ستة أشهر بين الرئيس دياب وكل من وزيرة الدفاع زينة عكر، ووزير الأشغال والنقل ميشال نجار، ووزير الخارجية شربل وهبة، والوفد العسكري المفاوض في الناقورة المتمثل بالعميد بسام ياسين والعقيد البحري مازن بصبوص، تم إقرار التعديل بإضافة 1430 كم² إلى المنطقة المتنازع عليها. هذا القرار لم يكن بالسهل، ففي الاجتماع الأخير والذي استمر لأكثر من ساعة ونصف جرت محاولات من قبل وزراء لكي لا يكونوا أوّل الموقّعين، لكن رئيس الحكومة كان متحمساً للحسم، وقال "إننا اجتمعنا اليوم لاتخاذ قرار، وعلينا توقيع المرسوم وعندما يوقّع الوزراء سأقوم أنا فوراً بالتوقيع"، وتم التوقيع على المرسوم.
وبحسب المعلومات فإن وكيل وزارة الخارجية الأمريكية "دايفيد هيل" يصل الأربعاء إلى بيروت في زيارة وداعية قبيل مغادرته لمنصبه بعد اختيار "فيكتوريا نولاند" بديلًا عنه. فهل ستحمل هذه الزيارة قرارًا أمريكيًا جديدًا حول الترسيم، أم أن المفاوضات ستبقى في حالة ركود؟
الكاتب: غرفة التحرير