السبت 10 أيار , 2025 12:28

قرار الحرب الإسرائيلية على لبنان بين الدوافع والصعوبات

مجلس الوزراء الإسرائيلي وخريطة الحدود بين لبنان و"إسرائيل"

إنّ حفاظ جيش الاحتلال على حرية الحركة داخل الأراضي اللبنانية، والتي تتمثّل بتوجيه الضربات والقصف الأقرب إلى العمليات الجراحية نحو أهداف محدّدة لاستهداف قيادات وتضييق الخناق على فرص تهريب الأسلحة وإعادة ترميم قدرات حزب الله، قد لا تستدعي في هذه المرحلة شنّ حرب شاملة. إلّا أن تجدّد العدوان وعودة الحرب يبقى خيارًا قائمًا في ظل حكومة نتنياهو المتطرّفة والمستعدّة لاتخاذ كافة السياسات والقرارات التي تتوافق ومصالحها وتحقّق رغباتها التوسعية وتطلّعاتها المستقبلية، كما وتحافظ على وجودها السياسي حتى لو تعارضت هذه القرارات مع المستوى العسكري وسبّبت انتقادات ومعارضة داخلية.

الدوافع

تتعدد الدوافع التي تُحرّك سياسات الاحتلال الإسرائيلي تجاه لبنان، لا سيما فيما يخص المواجهة المفتوحة أو المقيدة مع حزب الله. هذه الدوافع ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات أمنية وسياسية وعسكرية، تتقاطع فيها مصالح داخلية إسرائيلية مع اعتبارات استراتيجية إقليمية. وفيما يلي عرض لأبرز هذه الدوافع كما تظهر في الخطاب الإسرائيلي والغربي (الرسمي والإعلامي والبحثي).

- "عدم تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار" خاصة فيما يتعلق بنزع سلاح حزب الله وانتشار الجيش اللبناني بحسبهم (مركز ألما، زوي ليفورنيك).

- الهجمات الصاروخية المستخدمة كهجمات مبررة للرد، حيث يتم التلويح والتهديد بتوسيع الرد ليشمل العمق اللبناني (يسرائيل كاتس).

- منع حزب الله من أن يتحوّل من جديد لمصدر تهديد، في ظل الحديث عن استعادته لعافيته وترميم قدراته (يوآف ليمور، إسرائيل اليوم).

- استغلال الفرصة التي يُعتبر فيها حزب الله ضعيفًا بعد الضربات التي تلقّاها وخسارته لعدد كبير من قادته وبالتالي، استكمال ما بدأ في أيلول 2024 (حغاي هوبرمان، القناة 7).

- التحوّل الواضح في سلوك "حزب الله" بعد "تراجع قدراته العسكرية ونفوذه السياسي"، فحتى الآن، لم تُسفر الردود العسكرية الإسرائيلية على انتهاكات وقف إطلاق النار المزعومة عن ردود فعل انتقامية من قبل حزب الله (خليل الحلو، تال كيلمان وحنين غدار، معهد واشنطن).

- توفير الأمن لمجتمعات الجليل وعودة آمنة السكان (نتنياهو).

- غياب الجدية لدى كلّ من عون وسلام في موضوع نزع سلاح حزب الله...  فالاستمرار في انتهاج سياسة التلاعب بدلًا من فرضها، ستفقد واشنطن اهتمامها وسيُترك الأمر للكيان لمواصلة ما كان عازمًا عليه: إحراق حزب الله، في ظل عدم اتخاذ الحكومة والجيش اللبناني إجراءات كبيرة ضده (حسين عبد الحسين، FDD).

- رغم تراجع حزب الله، ومصادرة الجيش اللبناني لجزء من الأسلحة، والنشاط الإسرائيلي المستمر في لبنان، لا يزال التهديد لسكان شمال الكيان - وللأهداف الإسرائيلية في الخارج – قائمًا (ديفيد شينكر، معهد واشنطن).

- نشاط حزب الله في جنوب لبنان - بما في ذلك جنوب الليطاني - آخذ في الازدياد، وليس العكس. وهذا يشكل انتهاكًا واضحًا لاتفاق وقف إطلاق النار، بحسب ادّعاء العدو.

- كلما مرّ وقتٌ على انتهاء الصراع، ازدادت فرصة حزب الله لتقييم الأضرار التي لحقت به، وإعادة تنظيم صفوفه، والاستعداد لأي حركة عدائية محتملة ضده أو ضد أسلحته في لبنان. سيسمح الوقت لحزب الله باستدعاء شبكة دعمه الواسعة - إيران وداعميه الشيعة الأثرياء في أمريكا اللاتينية وغرب أفريقيا - لإعادة ملء ترسانته وخزائنه، وبدء عملية إعادة الإعمار الحيوية التي ستساعده على حشد الدعم المحلي له بين الشيعة اللبنانيين (ديفيد داود).

- تحوّل جيش الاحتلال من جيش يحتوي ويدافع، إلى جيش هجومي "يُحبط اليوم كوارث المستقبل" (يسرائيل هرئيل، هآرتس).

- حزب الله تلقى ضربة قاسية، وجرى القضاء على معظم قدراته، وبالتالي ضرورة استخدام القوة لتثبيت وقائع على الأرض والسيطرة عليها.

- القطاع الشرقي، المطل على سهل الحولة والجليل، لا يزال يشكل مصدر قلق أمني كبير. حزب الله لا يزال يمتلك ترسانة صاروخية تقدر ما بين 1,000 إلى 40,000 صاروخ، مما يجعله داعمًا محتملاً لأي تصعيد إيراني، وذلك وفق تحليل لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. (خليل الحلو، تال كيلمان, حنين غدار، معهد واشنطن).

- يعيد حزب الله بناء منظومة القيادة والسيطرة، ويعمل على تهريب السلاح برًا وجوًا، فمقابل كل طريق تهريب يتمّ إغلاقه، حزب الله يُعيد فتح طريقًا جديدًا في المقابل (يوسي يهوشع، يديعوت أحرونوت).

- ما زال حزب الله في الجنوب اللبناني يملك سلاحًا صاروخيًا وبنى تحتية في القرى والبلدات التي لم تجرِ فيها مناورة برية (حغاي هوبرمان، القناة 7).

- "مواصلة الحرب الآن، بينما نحن أقوياء والعدو ضعيف، من أجل السلام في المستقبل"؛ حغاي هوبرمان.

- الوجود العسكري لحزب الله في الجنوب، حيث يعتبر الكيان أن بقاء الحزب وسلاحه قرب الحدود يشكل تهديدًا مباشرًا.

- الأزمات السياسية الداخلية لا سيما القضايا التي تلاحق نتنياهو والتي قد تدفع القيادة الإسرائيلية إلى التصعيد للهروب من مشاكلها وخلافاتها الداخلية من جديد.

- استكمال المشروع التوسّعي الذي يسعى اليمين المتطرف لتحقيقه والذي تظهر ملامحه في الخطوات التي يتخذها جيش الاحتلال في سوريا وغزة كما والضفة، إذ أن مشروع إسرائيل منذ سنوات هو احتلال جنوب لبنان حتى الليطاني والاستيطان فيه.

- من وجهة نظر أمنية، ما يتطلع إليه الكيان هو منع وضع يُتاح فيه تسلل المقاومين إلى داخل أراضي فلسطين المحتلة.

- الضغوط الداخلية التي يتعرّض لها نتنياهو على مختلف المستويات القضائية، السياسية، العسكرية والاجتماعية.

- سعي حزب الله لمنع تجدُّد القتال في مواجهة الكيان، قد يشكّل فرصة لجيش الاحتلال.

في المقابل يتّجه الكيان المؤقت في هذه الفترة إلى تركيز جهوده على قطاع غزة كما والمواجهة مع إيران وصدّ الهجمات اليمنية التي تلحق الأذى وتكبّد العدو أثمانًا باهظة على مختلف المستويات. وبالتالي، فإن قرار الحرب على لبنان في هذه المرحلة قد يواجه بعض الصعوبات لكنه ليس مستحيلًا. فقد يلجأ العدو إلى تعزيز حرية الحركة التي يتمتّع بها الآن بالتكامل مع الضغط السياسي والاقتصادي والاجتماعي وعرقلة عملية الإعمار، حتى استكمال بنك الأهداف الجديد والاستفادة من كل التحوّلات الاقليمية لا سيما فيما يتعلّق بسوريا والتي قد تمنحه فرصًا عدّة لتوجيه ضربات قوية لحزب الله سواء في الجنوب اللبناني أو حتى البقاع. وعليه، هذه المرحلة يمكن أن تشكّل تهيئة لما يمكن أن تحمله المرحلة المقبلة من تحوّلات أو تطوّرات على الساحتين الإقليمية والدولية (الأزمات الداخلية في الكيان، وضعية نتنياهو وائتلافه، تهجير الفلسطينيين، الاتفاق النووي-الايراني، الحرب الأوكرانية، التنافس الصيني- الأمريكي، سياسة ترامب، ردود فعل المقاومة...) والتي قد تفرض إمّا تصعيدًا نحو الحرب أو احتواءً للأحداث والوصول إلى تسويات سياسية.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور