تشهد دول شرق البحر الأبيض المتوسط فترة تحول تاريخية، عبر اكتشاف ثروة نفطية وغازية في باطن البحر، سيكون لها تأثيرات إقتصادية مهمة ومصيرية، تحدد مستقبل تجارة الطاقة عالمياً خلال السنوات المقبلة، الأمر الذي سيولد تنافسًا بين دول المنطقة، في تحديد مناطقها الاقتصادية الخالصة، والتي ستقوم شركات التنقيب بحفر الآبار فيها، لذا فإن عملية ترسيم الحدود البحرية بين الدول المتجاورة، تشجع شركات النفطية الكبرى على الاستثمار في التنقيب والبحث، فهي الوحيدة التي تملك الإمكانيات والمعدات اللازمة كما الخبرة، وتحتاج إلى بيئة عمل لا يتواجد فيها مخاطر اندلاع نزاعات عسكرية حدودية.
هنا يظهر دور الدول الكبرى، والتي تسيطر على أكبر الشركات النفطية، في محاولة التأثير على دول شرق المتوسط، عبر السعي إلى انشاء تحالف هنا، أو رعاية مفاوضات ترسيم حدود بين بلدين هناك، وتهدف من ذلك الى السيطرة على هذه التجارة مستقبلاً، والتحكم بها وجعلها وسيلة للضغط والهيمنة.
أهمية الغاز في البحر الأبيض المتوسط
تشير تقديرات نشرتها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، وتقديرات شركات التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، بأن حوض المتوسط يعد من أهم أحواض الغاز في العالم، فهذه المنطقة تعوم فوق بحيرة من الغاز تكفي لتلبية حاجة سوق أوروبا لمدة 30 عامًا على أقل التقديرات، وكمية الغاز تقدر بما لا يقل عن 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، مع قيمة تتراوح ما بين 700 مليار و3 تريليونات دولار أمريكي.
أما المنطقة الغنية بالغاز والنفط، فتقع داخل الحدود البحرية الإقليمية لعدد من الدول هي: تركيا، سوريا، قبرص، لبنان، فلسطين المحتلة، مصر، وليبيا.
وقد دخلت العديد من الشركات العالمية الكبرى، في صفقات استثمارية لتدير عملية الإنتاج، والتي تبدأ بعمليات البحث، وتنتقل إلى التنقيب، وتنتهي بالإنتاج والتجارة.
ومن أبرز شركات النفط العالمية التي تستثمر في هذه المنطقة:
-شركة ENI الإيطالية في مصر وبعض البلوكات في قبرص.
- شركة Total الفرنسية في بعض البلوكات في قبرص.
- ائتلاف Nobel Energy الأمريكية مع شركة Delek "الإسرائيلية" في فلسطين المحتلة.
- ائتلاف شركة Total الفرنسية، ENIالإيطالية ونوفاتك الروسية في لبنان .
اتفاقات وصراعات
وانطلاقًا من هنا، وقعت بعض الدول المعنية، اتفاقات لترسيم الحدود الإقتصادية الخالصة.
2003 |
اتفاق بين مصر وقبرص |
2007 |
اتفاق مبدئي بين قبرص ولبنان |
2010 |
اتفاق بين قبرص وكيان الاحتلال الإسرائيلي |
أما صراعات الدول على ترسيم الحدود فهناك نزاعان أساسيان: بين تركيا وقبرص اليونانية، وبين لبنان وكيان الأحتلال الإسرائيلي.
حيث تتسم المشكلة بين تركيا وقبرص اليونانية، بأنها لا تقتصر على هذا الملف تحديداً، بل لها أبعاد سياسية وحدودية واقتصادية متشابكة ومتعددة.
أما الصراع ما بين لبنان وكيان الإحتلال، فهو صراع معقد، حيث تحاول "إسرائيل" أن تسيطر على مساحة 850 كلم 2 من حقوق لبنان ضمن البلوكات (8 + 9 + 10) لكن لبنان وعبر دراسة أعدّها الجيش اللبناني، يظهر أن حدود منطقته الإقتصادية وفقاً لقانون البحار يجب أن تبلغ مساحتها 2290 كلم2.
منتدى غاز شرق المتوسط
لكن الصراع بين دول حوض شرق البحر المتوسط لا يتوقف على ترسيم المناطق والحدود، وإنما يمتد إلى عملية التصدير إلى الخارج.
فكل الدول بحاجة لإقامة تحالفات تصدير مشترك مع دول أخرى، لكي تصدر سويا إما لشرق آسيا أو أوروبا، عبر دمج مصادر الغاز المكتشفة واستغلال بنية تحتية من محطات التسييل،
وخطوط النقل وضمانات لشراء الغاز بشكل مسبق من قبل مستهلكين، وتعتبر هذه العملية مكلفة وتحتاج إلى وقت وفيها مصاعب تقنية ولوجستية وأمنية.
من هذا المنطلق، تأسس في كانون الثاني 2019 منتدى غاز شرق المتوسط، والذي يقع مقره الرئيسي في القاهرة، بهدف إنشاء سوق غاز إقليمي في منطقة شرق المتوسط، وتحسين العلاقات التجارية وتأمين العرض والطلب بين الدول الأعضاء.
يضم هذا المنتدى كأعضاء: إيطاليا، اليونان، قبرص اليونانية، الكيان الإسرائيلي، مصر.
ويحضر فيه ممثلون عن: فلسطين المحتلة (الضفة)، الأردن، الإتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة الأمريكية، والبنك الدولي.
في المقابل استثنى دولًا أخرى من عضويته رغم أنها تطل على حوض شرق البحر المتوسط ولها مصالح وحقوق مثل تركيا، قبرص التركية، لبنان، سوريا، وليبيا.
أخيراُ، يبرز إهتمام الولايات المتحدة الأمريكية جلياً بهذا الملف، عبر مناقشته دورياً مع دول المنطقة تلزيمًا وحفرًا وأنابيب ومصاف، حتى دخولها مؤخراً كوسيط بين لينان وكيان الإحتلال لترسيم الحدود، ربما بذلك تسعى للسيطرة على تجارة الغاز في المنطقة لكي يكون منافساً للغاز الروسي المصدر نحو الإتحاد الأوروبي، حتى تحرم موسكو من نصف إجمالي دخلها القومي، كما أنها من خلال هذا السعي، تساعد في تحويل كيان الإحتلال إلى قطب اقتصادي، إقليمي وإستراتيجي في المنطقة، أو ربما، الهدفين معاً.
الكاتب: غرفة التحرير