أعلن رفيق الحريري عام 2004 استقالة حكومته في عهد رئيس الجمهورية إميل لحود، "واستودع اللبنانيين" ليكمل التحضير لخوض تيار المستقبل الانتخابات النيابية آنذاك، لكن بين الأب الحريري والابن سعد 18 عاماً من الاختلاف في الظروف السياسية اللبنانية والإقليمية، فبعد "تخلي" السعودية عن سعد الحريري، أعلن الأخير في بيت الوسط العزوف عن خوض الانتخابات النيابية المقبلة في شهر أيار، وعن تسمية مشرّح ينوب عنه أو يمثّل تيار المستقبل، وكذلك علّق سعد الحياة السياسية لآل الحريري في لبنان.
بالارتباط التاريخي المعروف عن آل الحريري بالرياض، ومن الأحداث في السنوات القليلة الماضية كما بحسب مصادر في الأوساط اللبنانية، فان قرار رئيس تيار المستقبل سعد الحريري جاء نتيجة "ضغط خليجي" وتهديدات مباشرة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان طالت الأمن الشخصي للحريري، ما يترك علامات استفهام عن تكرار سيناريو العام 2017 حيث أجبر الحريري على تقديم استقالته من الرياض، لكن هذه المرة بإخراج جديد.
المهم، في نهاية المطاف، ان تعليق الحريري للحياة السياسية ترك فراغاّ في البلد ولا سيما في الطائفة السنية عشية الانتخابات، ما يفتح الأبواب أمام العديد من السيناريوهات المحتملة في الأيام القادمة، ولكل منها خلفياتها وتداعياتها:
_ أولاً، مما لا شك فيه ان الحريري كرّس نفسه، بعد اغتيال والده عام 2005، "زعيماً" عابراً المناطق في الطائفية السنية، وبالتالي فان غيابه اليوم يترك الساحة السنية متشرذمة وفي حال بروز بعض الأسماء القادرة على ضبط الإيقاع الانتخابي ولو لفترة مؤقتة، الا انها لن تستطيع في فترة قصيرة من بلورة "قيادة موحدة" ترث الحريري، بل ربما يبرز أشخاص في كل منطقة من التواجد السّني، وهذا قد يسمح بتشتت الأصوات السنية وباختراق مقاعدها لصالح لوائح القوى السياسية الأخرى.
_ ثانياً، مع الدعم السعودي الواضح لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وخاصة في تقديم التمويل الانتخابي، يبدو ان إلزام الحريري بالتنحي السياسي هو لإبراز جعجع كمرشح بغطاء سعودي لتمثيل الطائفة السنية في لبنان! ولا سميا ان جعجع بدأ بمخاطبة القاعدة الشعبية السنية وبنشاطات انتخابية في طرابلس بحسب ما كانت قد اشارت أوساط لبنانية متابعة.
_ ثالثاً، يترك فراغ الحريري مشهد التحالفات الانتخابية مأزوماً وضبابياً لدى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، أول الممتعضين من هذا التعليق.
_ رابعاً، قد تتناغم مواقف من القوى والأطراف السياسية الأخرى مع قرار الحريري، فتقرر بدورها العزوف عن خوض المعركة الانتخابية، بما يضع الاستحقاق النيابي أمام إشكالية فقدان المشروعية! أو ان التشرذم الحاصل في الشارع السني قد يُترجم ببعض "الفوضى" الأمنية في الشارع سواء في الأيام القليلة المقبلة أو خلال كامل الفترة ما قبل شهر أيار بما يهدد الانتخابات أيضاً "بالتطيير".
_ خامساً، من ناحية أخرى قد يكون قرار الحريري نوع من "المناورة السياسية" للحشد الانتخابي على غرار "مناورة" زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، الذي كان قد أعلن عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية العراقية ليعود عن قراره – تحت حجة "ورقة إصلاحية" – حاصداً أكبر عدد من المقاعد في البرلمان وأعلى نسبة تصويت. فهل – لسبب أو لآخر – يعود الحريري عن قراره لا سيما ان علامات استفهام تدور حول الحديث عن الملف والوضع اللبناني في اللقاء الذي سيجمع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بوزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح، فهل تتدخّل الولايات المتحدة "للجم" السعودية وإعادة الحريري الى المشهد السياسي اللبناني؟
كل هذه السيناريوهات تبقى توقعات في البلد، ستحمل الأيام المقبلة الإجابات عنها، وخاصة مع اقتراب ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط حيث عادة ما يستغل الرئيس السابق سعد الحريري هذه المناسبة لحشد وتعبئة الشارع السنّي.
الكاتب: غرفة التحرير