لا شك ان الصراع بين الحق والباطل وبين الخير والشر يتواصل في كل يوم منذ فجر التاريخ، وهما دائما يسيران بشكل متواز ولا مجال لالتقائهما، وفي عصرنا الحاضر تمثل الولايات المتحدة الاميركية وإداراتها المتعاقبة رأس الباطل والشر في هذا العالم، فهي لم تتوقف عن ارتكاب الفظائع منذ تأسيسها كدولة وحتى الساعة.
ولو أخذنا ما تقوم به الادارة الاميركية في منطقتنا يمكننا تسجيل كمّ هائل من الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت في عشرات السنوات الاخيرة التي مرت على شعوب هذه المنطقة، لا سيما منذ احتلال فلسطين من قبل الاسرائيليين، وتأسيس كيان لهم بدعم غربي بريطاني اميركي وما رافق ذلك من متغيرات في مختلف الدول، والتدخل في سياساتها وإيصال أشخاص وأنظمة وعائلات للحكم دون غيرها بما يخدم المشاريع الغربية.
وبالمقابل نرى شرائح واسعة من شعوب المنطقة واجهت كل تلك المخططات الغربية، وتُوجت هذه المواجهة بانتصار الثورة الاسلامية في إيران في العام 1979 وما تبعه ذلك من صحوة الشعوب وتطور مقاومتها ضد الاستكبار العالمي، وشكلت مقاومة الاحتلال الاسرائيلي والقضية الفلسطينية مركزية هذا الحراك العابر للدول والاديان والمذاهب والأعراق، فقد وحّدت فلسطين والقدس وحقوق الشعب الفلسطيني أحرار الامتين العربية والاسلامية والعالم بمواجهة كل المخططات الاميركية والغربية الاستكبارية ومن تعاون معها من أنظمة المنطقة.
وانطلاقا من ذلك تطرح اليوم مسألة غاية في الاهمية على بساط البحث تتعلق بتشويه صورة بعض الجهات المقاومة التي وقفت بوجه الاحتلال الاسرائيلي ومخططات اميركا في المنطقة، وقدّمت الشهداء وتحمّلت العقوبات والضغوط في سبيل ذلك، حتى باتت بعض المنابر الاعلامية والابواق السياسية تعمل على المقارنة بين المجرم والضحية تمهيدًا لاتهام الضحية وتبرئة المجرم، فاليوم نرى ونسمع جهات ومنابر في بلداننا تدافع عما تقوم به اميركا ومن معها، وتتهم حركات المقاومة التي حررت الارض وعطلت المخططات التي رسمت للمنطقة وشعوبها، وهذا ما تطرق إليه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته الاخيرة خلال الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد القائدين الحاج قاسم سليماني وابو مهدي المهندي، حيث سأل "هل هناك منصف، هل هناك عاقل يمكن ان يساوي بين القاتل وبين الشهيد؟!".
فاميركا ارتكبت جريمة اغتيال الشهيدين سليماني وابو مهدي المهندس لأنهما عملا بحزم على إحباط مشروع احتلال تنظيم "داعش" الوهابي الارهابي للعراق، ومع ذلك هناك من يقدم التبريرات للادارة الاميركية وخلفها السعودية عما جرى في العراق منذ ما قبل الاحتلال في العام 2003، فكل الانتهاكات التي ارتكبت والجرائم ضد الانسانية وإرسال الجماعات الارهابية وتمويلها وتصدير الفكر التكفيري لتدمير العراق، يتم التغاضي عنه، بينما تتم مهاجمة ايران وفصائل المقاومة التي واجهت مخططات اميركا والسعودية، وحفظت العراق وارضه وسيادته.
وفي لبنان، نرى ان هناك بعض الجماعات السياسية والاعلامية تمتهن تضليل الرأي العام بدعم اميركي خليجي لاعطاء صك براءة لمنظومة سياسية مالية مصرفية اقتصادية حاكمة منذ ما قبل الحرب الاهلية، طالما كانت حليفة للغرب ولفرنسا وبريطانيا واميركا، بينما هؤلاء يريدون اليوم إلقاء التهم جزافًا على المقاومة بأنها تتحمل مسؤولية الفساد والاهتراء الموجود في كل مفاصل الدولة والمؤسسات والمرافق في لبنان.
ونفس الامر يتكرر ضد المقاومة الفلسطينية التي يريدون تحميلها وزر الاوضاع الاقتصادية الصعبة في قطاع غزة على الرغم من انه محاصر برًا وبحرًا وجوا، ويتعرض كل عدة سنوات لاعتداءات اسرائيلية واسعة النطاق ناهيك عن الاعتداءات اليومية التي تحصل، كما ان المقاومة تتعرض لضغوط مالية وسياسية من قبل الانظمة العربية والاسلامية، اضافة الى ان قياداتها تعرضت للملاحقة والاعتقال من قبل بعض الانظمة، ومع ذلك نفس الجهات الاعلامية والسياسية المدعومة اميركيًا وخليجيًا تريد تحميل المقاومة أعباء ما يعانيه الشعب الفلسطيني، وإخراج "اسرائيل" من المشهد واعتبارها من الاصدقاء بينما هي المشكلة الاساس في هذه المنطقة حيث احتلت فلسطين، وشردت شعبها، وتواصل ارتكاب جرائمها ضد الشعوب العربية بغطاء اميركي خليجي واضح.
نفس هذه الاساليب الماكرة يعتمدها الفريق الاميركي الخليجي للتصويب على المقاومة في مختلف الساحات وعلى الدول المتعاونة والداعمة له،ا وعلى رأسها ايران ومن خلفها سوريا، وهذا الفريق يحاول ترسيخ بعض الافكار في وعي الناس، وكأن لاميركا الحق بارتكاب كل ما تفعله من أفغانستان الى اليمن، وكأنه يحق لأميركا حصار لبنان وسوريا بحجة التضييق على المقاومة، ونفس هذا الفريق لا يحاسب المجرم بل يهاجم الضحية، ويحمل المقاومة مسؤولية الحصار والضغط، وهذا ما يحصل بشكل فاضح في اليمن حيث يُقتل الشعب اليمني بينما البعض يدافع عن السعودية، ويرفض إنصاف شهداء اليمن من الاطفال والنساء والرجال.
ان هذا الفريق يعتمد أسلوب المقارنة بين حالتين أحدهما مع اميركا واسرائيل واخرى مقاومة لها، فيلجأ للمقارنة بين الاوضاع المعيشية والاقتصادية والحياتية في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق واليمن من جهة، وبين الاوضاع في الامارات وقطر وغيرها من الدول، للقول إن من يواجه المشروع الاميركي الاسرائيلي السعودي سيعيش الضغط والحصار والازمات المتلاحقة كما هو حال الشعب اللبناني والسوري والفلسطيني واليمني، في حين ان من يطّبع مع "اسرائيل" ويتبنى سياسة اميركا سيلاقي"البحبوحة" الاقتصادية والمعيشية، وهذا غير صحيح وخير دليل على ذلك مصر والاردن وما فيهما من صعوبات اقتصادية وحياتية، فحقيقة الامر ان المشروع الاميركي الاسرائيلي السعودي هو المسؤول الحقيقي عن الازمات في كل دول المنطقة.
وبالتالي فما يحصل هو معركة وعي وإدراك لحقيقة ما يحصل والتنبه أن هناك مخططًا لتشويه صورة المقاومة، ودفع الناس للقيام ضدها وضد الدول الداعمة لها، فمن جهة هم يهاجمون ايران، ومن جهة ثانية يرفضون دعمها في مختلف المجالات بحجج واهية لان ذلك يحتاج الى ضوء أخضر من واشنطن والرياض، لهذا ثمة مسؤولية كبيرة على وسائل الإعلام والاحزاب والجهات الحقوقية والشخصيات الوطنية لتوضيح الصورة للرأي العام وللناس، وتبيان حقيقة ما يجري وعدم الانكفاء في هذه المعركة الاعلامية السياسية الهادفة لتضييع البوصلة، وحرف الانظار عن المجرم الحقيقي وعن انجازات الشعوب ومقاوماتها.
الكاتب: غرفة التحرير