يحتلّ العراق موقعاً مهماً واستراتيجياً، ضمن أهداف الصين المستقبلية في المنطقة، كما بالنسبة للعديد من الدول المجاورة له، وفي منطقة الخليج بشكل عام. فالصين يهمها كقوة دولية صاعدة اقتصاديا وسياسيا، وتنافس الولايات المتحدة الامريكية على النفوذ العالمي، أن تفتح أفق التعاون والتبادل فيما بينها ودول منطقة قلب العالم.
ومن الأمور التي زادت، في أهمية إقامة العلاقات الصينية مع العراق أيضاً، ثروته النفطية الهائلة، وموقعه الاستراتيجي في قارة اسيا، وعلاقاته مع قوی إقليمية ودولية مؤثرة، في توجهات السياسة الصينية، مثل إيران والسعودية والامارات والهند، إضافة لأدائه أدوار وساطة خارجية، منها رعايته للحوار الإيراني السعودي وجهود إنشاء مشروع الشام الجديد.
كما ان حدة تصاعد التنافس مع أمريكا، قد يدفع بالسلطات في بكين، الى استبدال استراتيجيتهم القديمة الأقل اندفاعاً، نحو تزخيم العلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة.
وقد بلغت التجارة الثنائية في العام 2018، أكثر من 30 مليار دولار أمريكي. كما تعد بكين أكبر شريك تجاري لبغداد، بينما تعد الأخيرة ثاني أكبر مورد للنفط للصين. ويسعى العراق إلى الاستفادة من الثبات الاقتصادي للصين، من أجل تمويل إعادة الإعمار للبنية التحتية، والعديد من الاستثمارات الاقتصادية الأخرى، مقابل تأمين الوصول إلى حقول النفط العراقية.
فاستهلاك الصين من النفط يزداد سنوياً، بحوالي 9 مليون طن سنويا. كما يتوقع المحللون أن تتضاعف حصة الصين من الاستهلاك النفطي العالمي، لتصل الى 14% في العقد القادم، وهذا يعني ان النفط سيكون له أثر كبير في تحديد استراتيجيات الصين المستقبلية. وبالتالي يشكل العراق مصدراً مهماً ومستقراً للنفط، يمكن للصين الاعتماد عليه، خاصة في حال تحرره وتخلصه من النفوذ الأمريكي الذي لطالما منع هكذا توجه بين البلدين في السابق.
فخلال حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، تم توقيع اتفاقية استراتيجية مع الصين (في أيلول من العام 2019). تمتاز بأنها لا ترتّب على العراق أي التزاماتٍ مالية مسبقة، ولا تتضارب مع ضرورات ومقوّمات الأمن القومي. إلا أن الإدارة الامريكية استطاعت ضربها في مهدها، من خلال الدفع بالأطراف الداخلية التابعة لها، الى تنظيم تّظاهرات احتجاجية، تلاقت مع المساعي المحمومة لبعض الأطراف السياسية بتحقيق الإطاحة بالحكومة لأجر مآرب حزبية.
هذا التأزم الداخلي، أضاع الفرصة الذهبية أمام العراق حينها، لإنجاح اتفاقية كانت ستؤدي الى العديد من التغيرات الاقتصادية فيه. لكن الأوضاع الحالية قد تساهم في العودة اليها من جديد، لأنها تشكل أحد أهم الحلول، وأكثرها واقعية، لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد في ظلّ جائحة كورونا وعدم استقرار أسعار النفط، وعدم توفّر البدائل لتعويض العجز المالي الكبير.
وبالتالي، فإن أغلب الخبراء والمختصين في الشؤون الاقتصادية، يربطون بين إعادة إحياء هذه الاتفاقية، وبين إعادة دوران عجلة الاقتصاد العراقي، التي سيتبعها تلقائياً تفعيل القطاعات الاستثمارية وتعزيز مشاريع البناء والإعمار.
الكاتب: غرفة التحرير