بعد توقيع اتفاقية التطبيع بين كيان الاحتلال والامارات، سارعت الأخيرة لعقد اتفاقية أخرى في آب 2020 بشأن خط أنابيب إيلات-عسقلان بهدف نقل النفط الخليجي المتجه شمالاً إلى الدول الأوروبية ومن ثم الولايات المتحدة، دون العبور بقناة السويس، إضافة للقيام بنقل النفط القادم من حوض البحر المتوسط والأسود باتجاه آسيا وأسواقها.
الامارات المتحمسة لعقد هذا الاتفاق باتت اليوم قلقة من احتمالية تأجيل أو ربما إلغاء هذه الصفقة بعدما اختلفت حسابات "إسرائيل" حيال عدد من الملفات في المنطقة، وعلت أصوات من داخل الكيان حول جدوى هذه الصفقة وحجم الاستفادة الإسرائيلية منها.
صحيفة هآرتس أشارت في مقال لها إلى ان"معهد بحوث الأمن القومي قال في وثيقة رسمية بأنه يجب تأجيل تحقيق صفقة خط إيلات-عسقلان لنقل النفط من الإمارات، وإعادة فحصها بسبب أخطار على أمن مواطني إسرائيل" معتبرة ان الغاء الصفقة أصبح وارداً، لكن ذلك قد يسبب "ضرراً محتملاً لعلاقات إسرائيل الخارجية مع مصر؛ لأن "خط إيلات-عسقلان يشكل منافساً لقناة أخرى تنقل النفط من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، وهو أنبوب "اس.يو.مد" المصري الموجود منذ أكثر من أربعين سنة".
النص المترجم:
قال معهد بحوث الأمن القومي في وثيقة رسمية بأنه يجب تأجيل تحقيق صفقة خط إيلات-عسقلان لنقل النفط من الإمارات، وإعادة فحصها بسبب أخطار على أمن مواطني إسرائيل. الوثيقة التي وصلت للصحيفة أُرسلت أمس إلى رئيس الحكومة نفتالي بينيت وهيئة الأمن القومي ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية.
تمثل الوثيقة الموقف الرسمي لأعضاء المعهد الذي يعمل في جامعة تل أبيب برئاسة البروفيسور مناويل تراختنبرغ. شارك في بلورة هذه الوثيقة مدير المعهد العميد احتياط اودي ديكل، ورئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت، والدكتورة شيرا عفرون، وجهات رسمية في وزارة الخارجية وغيرهم. بهذا ينضم أعضاء المعهد إلى سلسلة من الخبراء ومنظمات بيئية وعدد من الوزراء الذين سبق وعبروا عن معارضة الاتفاق.
تطرح وثيقة المعهد عدة مبررات لتجميد الاتفاق، منها الخوف من إلحاق الضرر من جانب إيران أو غزة بناقلات النفط التي سترسو بشكل دائم في البحر الأحمر بدون حماية، والخطر على منشآت تحلية المياه التي تضمن توفير مياه الشرب في إسرائيل، وغياب إجراء إداري حكومي سليم قبل المصادقة على الاتفاق، والمس بالعلاقات الخارجية لإسرائيل مع مصر. "إن الفائدة من صفقة خط إيلات -عسقلان أقل كثيراً من الأخطار الاستراتيجية والبيئية التي تلحقها"، كتب في الوثيقة. وقد تساءل المعهد: هل يكون من الصحيح أن النفط الذي لا يستخدمه الإسرائيليون سيعرضهم للخطر؟
"الاستنتاج هو أن على الحكومة الجديدة تأجيل تنفيذ الاتفاق إلى أن يتم فحص كل تداعياته بشكل معمق، بما في ذلك الأخطار الأمنية"، كتب أعضاء المعهد. ويطرح المعهد أيضاً أن الاتفاق وقع في نهاية 2020، في فترة ولاية نتنياهو الأخيرة، "دون أن يتم إجراء عمل طاقم شامل لفحص تداعياته… العملية التي أدت إلى صفقة خط إيلات-عسقلان، لم تجر حسب قواعد أساسية للإدارة السليمة. لذا، من غير المعقول أن تعطي حكومة إسرائيل الجديدة مصادقتها على هذه العملية بأثر رجعي".
وقع الاتفاق الذي يدور الحديث عنه بين شركة خط آسيا-أوروبا وشركة "ميد ريد لاند بريدج"، ولم يعرض بعد على الجمهور. هدفه تحويل إسرائيل إلى جسر بري يضخ النفط من الإمارات إلى أوروبا. ويقصد من زايدة عدد ناقلات النفط التي ستصل إلى إيلات في كل سنة، من بضع سفن إلى عشرات الناقلات قد تحمل كل واحدة منها 270 ألف طن من النفط. كما يتوقع أن تزداد كمية النفط التي سيتم تجميعها في منشآت خط إيلات-عسقلان في عسقلان، إلى أن يتم نقل النفط إلى الناقلات التي ستبحر إلى أوروبا عن طريق خطوط الملاحة في البحر المتوسط.
يفصل أعضاء المعهد في الوثيقة الأخطار؛ بالنسبة لإيران كتبوا بأن "حركة نشطة لناقلات نفط تشق طريقها نحو إسرائيل في البحر الأحمر ستكتنفها أخطار أمنية كبيرة، حيث إن البحر الأحمر تحول مؤخراً إلى ساحة متفجرة حدثت فيها عدة هجمات للسفن. النظام في إيران الضليع في تشغيل امتداداته في المنطقة، يقوم بتمويل وتشغيل وحدات من الحوثيين لضرب السفن في المنطقة".
خطر آخر تضمنته الوثيقة، وهو مهاجمة صواريخ من قطاع غزة على ناقلات النفط. في هذا السياق، يطرح أعضاء المعهد مثالاً على ذلك، وهو أن "جولة القتال الأخيرة في غزة جسدت هذا الخطر عندما اشتعل صهريج للبنزين تابع لشركة "تيشن" لمدة عشرين ساعة بعد أن أصيب مباشرة بصاروخ من غزة. عقب هذه الإصابة اشتكى سكان المنطقة (عسقلان) من صعوبة في التنفس ومضاعفات صحية أخرى".
والخطر الثالث الذي طرحه المعهد، تهديد منشآت تحلية المياه الموجودة على طول قطاع الشاطئ. "تلويث نفطي في البحر الأحمر سيضر بقدرة منشأة التحلية في إيلات، وبالتالي بتزويد المياه للمدينة والزراعة المتطورة في المنطقة. زيادة تصدير النفط من شواطئ إسرائيل قد تزيد احتمالية حدوث مشكلات أثناء تحميل الناقلات في البحر المتوسط. لم يتم إثبات إمكانية إحاطة كمية كبيرة من النفط المنسكبة على شواطئنا، وهذا قد يشل أعمال منشآت تحلية المياه في إسرائيل، لا سيما الموجودة في في عسقلان وأسدود قرب منشآت شركة خط إيلات-عسقلان".
وقد وصل إلى الصحيفة مضمون أقوال رئيس الأركان السابق، آيزنكوت، في النقاشات الداخلية حول بلورة الوثيقة. برر آيزنكوت معارضته، وقال: "من ناحية أمنية، لا تؤمن إسرائيل خطوط الملاحة إلا في أوضاع حرب خطرة، مثل حرب لبنان الثانية. سخنت في السنوات الأخيرة ساحة البحر الأحمر وزاد خطر ضرب إيراني للناقلات التي لها علاقة بإسرائيل. وفي عسقلان خطر كبير في زيادة حجم نقل النفط بسبب حالة التفجر في المنطقة الجنوبية مثلما حدث في عملية "حارس الأسوار". يبدو أن المنطق السليم يقول بأن هناك حاجة لفحص جدوى هذا الاتفاق على خلفية الخطر المنبثق عنه. يبدو من كل القصة أنه لا توجد جهة موجهة وهناك حاجة إلى رؤية شاملة".
لقد أيد المعهد موقف وزارة حماية البيئة برئاسة الوزيرة تمار زيندبرغ، التي حذرت من أخطار كبيرة على مدينة إيلات والشعب المرجانية. الاتفاق سيزيد احتمالية حدوث خلل في نقل النفط وإنزاله في ميناء إيلات، وقد يعرض الشعب المرجانية الفريدة للخطر الشديد. السيناريو الأكثر خطورة هو ضرب متعمد من قبل جهات معادية لناقلة ترسو في الميناء، لأنه إذا تم تطبيق الاتفاق فسترسو الناقلات في ميناء إيلات في أي لحظة معطاة، وقد يؤدي إلى سكب مئات آلاف الأطنان من النفط الخام في البحر وستضر بالبيئة بصورة لا يمكن تقديرها. وزارة حماية البيئة رفضت تقرير تقدير الأخطار الذي وصل من شركة خط إيلات-عسقلان بذريعة أنه لا يلبي طلبات الوزارة.
أشار المعهد إلى أن الصفقة ستضع إسرائيل من ناحية دولية كدولة تشجع على استخدام الوقود المتحجر، خلافاً للتوجه العالمي لمحاربة أزمة المناخ. "صفقة خط إيلات-عسقلان لا تتساوق مع التزام إسرائيل للمجتمع الدولي ومع المصالح الاقتصادية والعالمية طويلة المدى لإسرائيل للاندماج في خطاب المناخ الذي يشكل بطاقة دخول إلى العالم الجديد"، كتب في الوثيقة.
وكتب أيضاً بأن لهذه الصفقة تداعيات على علاقات إسرائيل الخارجية. حتى مؤخراً، ظهر تخوف من أن إلغاء الصفقة سيؤدي إلى الإضرار بالعلاقات التي نسجت بين إسرائيل والإمارات. مع ذلك، أوضحت جهات رسمية في الإمارات علناً، بأن الغاء الصفقة لن يضر بالعلاقات. وحتى وزارة الخارجية الإسرائيلية التي كان لها موقف في وقت متأخر يقول بأن إلغاء الصفقة سيضر بمصداقية الدولة، تراجعت عن ذلك مؤخراً. يعتقد المعهد بأنه قد يأتي ضرر محتمل لعلاقات إسرائيل الخارجية مع مصر؛ لأن "خط إيلات-عسقلان يشكل منافساً لقناة أخرى تنقل النفط من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، وهو أنبوب "اس.يو.مد" المصري الموجود منذ أكثر من أربعين سنة".
المصدر: هآرتس
الكاتب: لي يارون