يستمر الفلسطينيون في النّقب في التظاهر ومقاومة مشاريع الاحتلال التهويدية لأراضيهم وسط إسناد شعبي واسع في كافة المناطق الفلسطينية لا سيما في الداخل المحتل، بالاضافة الى اسناد رقمي فلسطيني وعربي وحتى أجنبي حيث بقي وسم "أنقذوا النقب" متصدراً منذ أكثر من أسبوع منصات مواقع التواصل الاجتماعي.
الفلسطينيون في النّقب اليوم لا يتصدّون لمشروع الاحتلال الذي يستهدف الصحراء فقط إنما مخطط كبير يُعدّ "توسعياً" للكيان الاسرائيلي سيحمل تداعيات في داخل فلسطين المحتلّة كما في منطقة الشرق الأوسط في الفترة المقبلة.
وفي مقابلة خاصة مع موقع "الخنادق" يشرح الباحث الفلسطيني والمختص في الشؤون الاسرائيلية حسن لافي، أهمية النّقب بالنسبة لكيان الاحتلال، وعناوين مخططاته بالاضافة الى تداعياته الأساسية.
الأهمية الاستراتيجة القديمة والجديدة للنقب
ينطلق "لافي" من الفكر الاسرائيلي الذي يولي منطقة النقب أهمية استراتيجة كبرى ويعود اكتشافها الى أول رئيس لحكومة الاحتلال دايفيد بن غوريون حيث نقل مقر سكنه الى النّقب وأسس جامعة هناك، وبدأ بالمشاريع، وزعم ان "مستقبل دولة اسرائيل في النّقب". وتاريخياً كانت تعتبر منطقة "حافة قتال" بين مصر وكيان الاحتلال الذي انتهى منذ 1979.
وبدأ في الفترة الأخيرة التركيز أكثر على النّقب لعدّة عوامل، يتطرّق الباحث لافي اليها:
أولاً، ان المنشآت الحيوية ومصانع البتروكيماويات والتصنيع العسكري في "تل أبيب" و"غوش دان" باتت تحت تهديد أمني جدّي من صواريخ المقاومة على الجبهتين الأساسيتين الشمالية (حزب الله في لبنان) والجنوبية (الفصائل في غزّة) وسط اكتظاظ استيطاني كبير، فيحاول الاحتلال من خلال سيطرته على صحراء النقب، نقل هذه المنشآت الأساسية اليها، من ناحية لتكون بعيدة عن صواريخ المقاومة، ومن ناحية للفصل بينها وبين تجمعات المستوطنين، خاصة مع تعرّض المسؤولين في جيش الاحتلال للانتفادات في معركة "سيف القدس" التي أجبرت 6 مليون مستوطن على البقاء في الملاجئ وشلّت حياتهم وحركتهم اليومية، وكانت من أحد أسباب فقدان ثقة "الجمهور بالجيش".
وحتى مصانع البتروكيماويات في خليج حيفا باتت مهدّدة من الجبهة الشمالية بشكل عام مما يتطلّب نقلها الى منطقة "أكثر أماناً".
ثانياً، على المستوى الاستراتيجي فالنقب تحتوي على أكبر القواعد العسكرية، سواء التابعة لسلاح المشاة في جيش الاحتلال والقواعد الجوية، ومن هنا تبرز أهمية المساحات الشاسعة في النّقب التي يريد الاحتلال استغلالها.
مخطط الاحتلال
ويتابع "لافي" في حديثه "للخنادق" انه منذ عام 2013 تقريبا، وُجد مخطط اسرائيلي لنقل ما يسمى "وادي السليكون" من منطقة شمال "تل أبيب" وبناء وادي جديد له علاقة بالهايتك والتكنولوجيا في منطقة بئر السبع في النقب الغربي. وبدأ إنشاء أكبر محطة انتاج الطاقة الكهربائية عبر الطاقة الشمسية أيضاً في منطقة النّقب. اي انه بات هناك اهتمام اسرائيلي خاص بالنّقب، وهنا تكمن الاشكالية الاسرائيلية، ان الفلسطينين من البدو، هم يعيشون على ان النقب صحراء وأرض مشاع، ويعتاشون على الرعي، لكن كيان الاحتلال عندما بدأ استكشاف الأهمية التي تتمتع بها النقب، أراد تجميع البدو الفلسطينيين في مناطق سكنية أشبه بالمعازل، وأراد تبديل طريقة عيشهم الى الاقتصاد والتجارة والزراعة والصناعة لإيقاف ترحّلهم بين المناطق الكبيرة في النّقب.
ويضيف ان الاحزاب اليمينية في حكومة الاحتلال الحالية تسعى لفرض السيطرة على صحراء النقب، وهذا له أبعاد خاصة بعد ان استطاع الكيان الاسرائيلي ان تكتشف آبار الغاز في البحر الأبيض المتوسط، فهي صارت بحاجة الى مصاف وشركات كبرى وضخ مبالغ وأموال ضخمة في سوقه، حيث لا يمكن لمنطقة "غوش دان" وحدها ان تستوعب هذا "الانفجار الاقتصادي" المتوقع خلال السنوات القادمة بحسب مزاعم الاحتلال، فلا بد من مناطق واسعة ولن يجد كيان الاحتلال أهم من النّقب التي تمثّل أكثر من 40% من مساحة ما يسمى "فلسطين التاريخية".
بالاضافة الى وجود مشروع نقل مراكز جيش الاحتلال من "تل أبيب" الى النقب، وبالفعل تم نقل مركز "8200" ومركز الاستخبارات العسكرية من وسط فلسطين المحتلة، وتم تأجيل الانتقال المراكز الاخرى لأسباب لها علاقة بالموازنة لكن بعد إقرارها منذ أشهر في الحكومة، فالمخطط ان يتم النقل بشكل كبير. كما يريد الاحتلال إقناع جزء من المستوطنين للمجيء الى النقب عبر "فرص العمل" التي سيؤمنها من قبيل افتتاح المراكز والمنشآت والشركات في تلك المنطقة، فالمستوطنون لم يرغبوا سابقاً بالتمركز في النّقب لأنها صحراوية فاعتمد التمركز الاستيطاني في منطقة "غوش دان" في وسط السهل الساحلي لفلسطين المحتلة.
التداعيات في الشرق الاوسط في المرحلة المقبلة؟
ويحدّد الخبير في الشأن الاسرائيلي معالم المرحلة القادمة اذا ما نجح الاحتلال في مخطّطته للسيطرة على النّقب وجعله مركز ثقل منشآته المختلفة فان ذلك سيؤدي الى أبعاد في داخل فلسطين المحتلّة كما أبعاد اقليمية استراتيجية، ويتحدّث "لافي" أن: بداية مع تواجد منشآت الغاز في النقّب يريد الكيان ربط الغاز من إيلات الى عسقلان، ثمّ جعل النّقب المحتل مركز ربط للتجارات والاقتصاد ونقل الغاز مع مناطق شمال افريقيا من جهة، ومع دول الخليج من جهة ثانية، ويشير "لافي" الى ان الاحتلال، الى حد معين، "سيمسك بالمنطقة ويحكم القبضة".
وفي المرحلة المقبلة، يتوقّع "لافي"، ان يحاول الاحتلال توقيع مزيد مما يسمى "اتفاقيات ابراهام" التطبيعية لجلب الأموال والاستثمارات الى النّقب. فهذا المشروع "الضخم" يحتاج الى تمويل ضخم أيضاً، وستكون السعودية والولايات المتحدة على رأس هذا التمويل، بالاضافة الى الامارات.
تعاظم قدرات المقاومة يهدّد "النّقب" أيضاً!
بعد سنوات من مراكمة محور المقاومة لقوته وقدراته العسكرية التي وصلت عند حزب الله الى مستوى الصواريخ الدقيقة، والتهديد منذ ما بعد 2006 بالقدرة على استهداف "إيلات" (أقصى نقطة في جنوب فلسطين المحتلّة)، وبعد كشف الفصائل الفلسطينية عن صواريخ بعيدة المدى تطال 250 كلم، وبالاضافة الى الصواريخ اليمينة التي تصل مدياتها الى 1500 كلم تقريباً وباتت قادرة على ضرب 100 كلم من مساحة فلسطين المحتلّة، ومن هنا يشير "لافي" في مقابلته مع "الخنادق" الى أن كيان الاحتلال سيأخد بالاعتبار هذا التطّور حيث انه في خطة "دفاعاته السلبية" سيعمد الى مزيد من التحصينات في منظومة بناء المنشآت الجديدة في النّقب ليست موجودة حالياً في "تل أبيب" لان المنشآت الموجودة حاليا لم تُبنى على أساس منظمومة دفاعية (الملاجئ، طبيعة الهندسة الداخلية...) تتوقّع هذا التطوّرفي قدرات محور المقاومة ولم تكن مجهّزة بشكل كلي لمواجهة خطر الصواريخ. كما استقدم كيان الاحتلال منظومة قبة حديدة في النقّب. ومن ناحية أخرى، يجب الالتفات اليها، على الرغم من هذا التطّور المهم في قدرات المقاومة الا ان المساحات الواسعة في صحراء النقّب وعواملها الخاصة قد تحول دون إمكانية إصابة الصواريخ لأهدافها بدقة في الوقت الراهن.
في المقابل، يدرك كيان الاحتلال انه سيقع بمآزق جديدة مستقبلاً، يشرح الخبير في الشأن الاسرائيلي: من ناحية إن تمركز كيان الاحتلال الأساسي سيصبح عند البحر الأحمر، مما يعني تهديد من الجيش اللجان الشعبية في اليمن، وسيفتح ذلك جبهة جديدة بالنسبة للكيان الذي يتحضّر في المرحلة القريبة لذلك وخاصة على مستوى استهداف السفن ومسارها.
ومن ناحية أخرى، يؤكد "لافي" ان محور المقاومة لن يُوقف مسار تطّوره العسكري وتطوّر إمكاناته، وبالتالي بعد فترة زمنية، ربما سنوات، ستكون ضربات المقاومة أكثر تدميراً، وان اي صراع حالي ان كان سيلحق بالكيان الخسائر فان لجوء سلطات الاحتلال الى تأجيله أو دفعه الى المستقبل سيضاعف خسائر الكيان لا سيما في المنشآت الحيوية.
الكاتب: غرفة التحرير