بعد القرار الأخير الذي صدر عن الكونغرس الأميركي بشأن اتهام شركات سايبيرية إسرائيلية بالمس بالأمن القومي الأميركي، تتكشف أهداف كيان الاحتلال بشأن الإصرار على حماية شركاتها السايبيرية والاتجاهات والتي تأتي بمقدمتها شراء أصوات الدول في الأمم المتحدة كلما احتاجت "إسرائيل" إلى ذلك، إضافة لاتمام عدد من مشاريعها الاستيطانية وغيرها.
صحيفة هآرتس أشارت في مقال لها إلى ان "الانتقاد الذي وجه لإسرائيل من الداخل والخارج هو أن رقابة الحكومة على تصدير السايبر العدائي ضعيفة جداً، و من السهل على "ان.اس.أو" وعلى شركات أخرى لتصدير السلاح، بيع السلاح للدول الديكتاتورية التي تشتهر بقمع مواطنيها. لأن المقابل الأساسي الذي تطمح إليه إسرائيل هو تصويت هذه الدول في الأمم المتحدة لصالحها وضد الفلسطينيين".
النص المترجم:
الافتراض الذي ينطلق منه كل فلسطيني له وعي سياسي، وهو أنه يخضع لرقابة إسرائيل الغازية، وأنه من الصعب تخيل حجم هذا الغزو. لذلك، من غير المفاجئ اكتشاف أن برنامج التجسس "بيغاسوس" الذي تملكه شركة التجارية الإسرائيلية -الأمريكية "ان.اس.أو" قد تم زرعه في هواتف "الآيفون" لستة فلسطينيين على الأقل. ثلاثة منهم يعملون في منظمات مجتمع مدني، تدير دولة إسرائيل ضدها معركة طويلة لنزع شرعيتها، والتي وصلت إلى الذروة في إخراجها خارج القانون.
لأسباب تقنية، فإن الجهات التي قامت بتمشيط الهواتف من أجل العثور على مهاجمتها بواسطة البرنامج المعادي، لا يمكنها أن تفحص أيضاً أجهزة "أندرويد" الموجودة بحوزة العاملين في هذه المنظمات، يمكن الافتراض أن هناك الكثير من الفلسطينيين الذين استقر المتلصص الأعلى "بيغاسوس"، في غرف نومهم ونوم أولادهم.
المفاجأة في مكان آخر. إذا كان الافتراض السائد صحيحاً، وهو أن للأجهزة الأمنية الإسرائيلية وسائل تكنولوجية غازية متقدمة خاصة بها، فلماذا تحتاج إلى برامج خدمات شركة تجارية وما ينطوي على ذلك من أضرار؟ هذا تساؤل شخص عادي ليس لديه أي مصادر أمنية إسرائيلية متعددة المستويات ولديها ما يكفي من المعلومات. حتى لو لم تستطع المنظمات الفلسطينية (الهيئات الثلاث التي عثرت على اختراق بيغاسوس، والمراسلون الذين نشروا عنها) لا يمكنها الإشارة بشكل مباشر إلى الجهة المهاجمة، فمن الواضح للجميع أنها إسرائيل؛ أي "الشاباك".
مثلما صرح المتحدثون بلسان الشركة أكثر من مرة، فمسموح لها بيع منتجاتها للحكومات فقط، أي أن الحديث لا يدور عن جسم خاص، مهما كان ثرياً ويستطيع دفع الثمن الذي تطلبه الشركة، وقام بالتجسس على هذه المنظمات الست. قواعد رخص تصدير السلاح التي أعطتها وزارة الدفاع لشركة "ان.اس.أو" تنص على أن خدمات الأمن الإسرائيلية هي المسموح لها فقط بمراقبة هواتف الأشخاص الذين لديهم أرقام إسرائيلية. ومقدمة الهاتف الإسرائيلية (أيضاً مقدمة الهاتف الفلسطينية) مغلقة أمام الرقابة من أي زبون آخر لشركة "ان.اس.أو". أي أن أي دولة في العالم، باستثناء إسرائيل، غير مسموح لها التجسس على باحث منظمة "الحق" الذي يوثق نشاطات إسرائيل لطرد سكان الشيخ جراح من الحي.
حصلت "ان.اس.أو" على عناوين سلبية وتعرضت للانتقاد عندما تبين أن بعض الدول الديكتاتورية التي باعتها البرنامج استخدمت برنامج "بيغاسوس" ضد نشطاء حقوق إنسان وصحافيين. وسذاجة المتحدثين باسمها بأنها تبيع لأهداف مكافحة الإرهاب والجريمة الخطيرة فقط، ليست مقنعة. الدليل الأخير هو أن الولايات المتحدة أعلنت بأن "ان.اس.أو" وشركة إسرائيلية أخرى تقوم ببيع سايبر عدائي "كانديرو"، هي مؤسسات تناقض مصالحها الوطنية.
الانتقاد الذي وجه لإسرائيل من الداخل والخارج هو أن رقابة الحكومة على تصدير السايبر العدائي ضعيفة جداً، و من السهل على "ان.اس.أو" وعلى شركات أخرى لتصدير السلاح، بيع السلاح للدول الديكتاتورية التي تشتهر بقمع مواطنيها. لأن المقابل الأساسي الذي تطمح إليه إسرائيل هو تصويت هذه الدول في الأمم المتحدة لصالحها وضد الفلسطينيين.
حساسية إسرائيل بالدعاية والعلاقات الخارجية لم تكن قوية كي تعرف أن رقابتها الواهية كان لها أيضاً إمكانية كامنة في التسبب بأضرار دبلوماسية واقتصادية. كتب رونين برغمان، أن قيادة الحكومة ستتجند في الفترة القريبة القادمة لمعركة أمام الإدارة الأمريكية كي تلغي قرارها فيما يتعلق بشركة "ان.اس.أو".
إن استخدام البرنامج المعروف سيئ الصيت ضد الفلسطينيين، الذي لا يعرف حتى الآن لماذا احتاج إليه الشاباك، يدل على شعور بالانتصار والغطرسة يسود في مؤسسات إسرائيل التي ترسم السياسة ضد الفلسطينيين. نجاحاتهم كثيرة: خطة توسيع المستوطنات، وحشر الفلسطينيين في جيوب منفصلة تستمر بكامل القوة. هناك أحزاب صهيونية من اليمن وسط في الحكومة كان من المفروض أن تعارض ذلك، لكنها تصمت مشلولة. أو أن أعضاء كنيست منها يرسلون رسائل احتجاج لغانتس.
الآن، عندما تبين أن إسرائيل ولسبب ما احتاجت إلى "بيغاسوس" في عملية قمع منظمات فلسطينية، التي تعمل بصورة طبيعية ضد الاحتلال، فإن المقارنة مطلوبة: إسرائيل مثل الدول غير الديمقراطية، وعلى أقل تقدير مثل المكسيك وأذربيجان وهنغاريا والسعودية. من لم يلاحظ حتى الآن أصبح يعرف بأنها تعمل ضد مواطنين، أي أشخاص يعارضون سياستها بوسائل غير عنيفة. منظمات المجتمع المدني الفلسطينية تريد، بصورة طبيعية، استغلال هذا الكشف لترجح كفة الميزان الراجحة الآن لغير صالح القضية الفلسطينية. الآن بعد أن أعلنت إسرائيل عنها كمنظمات غير مسموح لها العمل، فإن أي مؤتمر صحافي لها أو أي نشر مقال أو إلقاء محاضرة على دبلوماسيين ستعتبر نشاطات ممنوعة، الأمر الذي سيمكن الجيش من اعتقال النشطاء فيها ليلاً، واحتجازهم في السجن بقدر ما ترغب فيه السلطات وتقديمهم للمحاكمة العسكرية أو تبقيهم في الاعتقال الإداري بدون محاكمة.
المصدر: هآرتس
الكاتب: عميرة هاس