بعيد اعلان الولايات المتحدة معاقبة شركتي سايبر إسرائيليتين كانت قد وجهت لهما تهمة القيام بأعمال تمس أمنها القومي، قام كيان الاحتلال بإعادة قراءة للعمليات التي شارك فيها هذا البرنامج بشكل أساسي وسط تساؤلات عن الخلفية التي تدفع "إسرائيل" باستخدام هذا البرنامج الذي بات "سيء السمعة" دولياً، خاصة مع وجود، كما سمته الأوساط الأمنية الإسرائيلية، "قلق من هجمات سيبرانية إيرانية متزايدة بغية الانتقام".
صحيفة هآرتس اكدت في مقال لها على أن "النشاط الفلسطيني في لاهاي بات يقلق المستوى السياسي في إسرائيل، الذي أعطى تعليماته لأجهزة الاستخبارات وجهاز القضاء لمتابعتها وتحليل معانيها"، معتبرة أن "إذا كان هذا هو الهدف من وراء استخدام بيغاسوس، فيبدو أن العملية قد فشلت فشلاً ذريعاً".
النص المترجم:
للوهلة الأولى يبدو غريباً ادعاء السلطة الفلسطينية بأن إسرائيل اخترقت هواتف تحملها شخصيات رفيعة في وزارة الخارجية في رام الله، بواسطة برنامج التجسس بيغاسوس. إذا بدا بيغاسوس كأنه أحد أقارب برامج التجسس التي طورتها الاستخبارات الإسرائيلية ويمكنها الوصول إلى نتائج أكثر فعالية بصورة أكثر سرية، فلماذا يحتاج الشاباك أو أي جهاز أمن آخر إلى البرنامج المدني الذي ينتمي لشركة NSO، لأن هذه الشركة تحتل مركز حملة ملاحقة دولية تضم دولاً غربية ومنظمات حقوق إنسان، وبصورة تشوه وتورط أي جهة تشتري خدمات هذه الشركة.
حسب التقارير، تم الكشف عن آثار بيغاسوس، بداية، في هواتف نشطاء في منظمات مدنية فلسطينية (التي أخرجت إسرائيل بعضها خارج القانون بذريعة أنها متورطة في أعمال إرهابية). الخميس الماضي، قالت وزارة الخارجية الفلسطينية بأن البرنامج اكتشف أنه مزروع في ثلاثة هواتف تعود لشخصيات رفيعة، كانت للوزارة علاقة بتجميع دعاوى السلطة ضد إسرائيل قبل تقديمها للمحكمة الدولية في لاهاي.
إن تفسير استخدام إسرائيل لبرنامج التجسس قد يكون مرتبطاً بطبيعة الأهداف التي تتم ملاحقتها. في الحالتين، يدور الحديث عن أهداف "لينة"، مثل: منظمات، وموظفين يعملون في نشاطات سياسية وفي نضالات دبلوماسية وليس في نشاطات إرهاب مباشرة. أحياناً يمكن أن يكون لأجهزة المخابرات مصلحة في استخدام برنامج مدني، لإبعاد الأدلة عنها وطمس الهوية الحقيقية لمن يستخدمون قدرات السايبر الهجومية. وإن استخدام منتج لشركة مدنية لها زبائن آخرون مختلفون في الشرق الأوسط ربما يوفر نوعاً من "مجال للنفي" من قبل إسرائيل.
إذا كان هذا هو الهدف من وراء استخدام بيغاسوس، فيبدو أن العملية قد فشلت فشلاً ذريعاً. عملياً، تم تحقيق نتيجة معاكسة. ففي الساحة الدولية يبدو أن بيغاسوس يعتبر الآن نوعاً من البضاعة المسممة، وكل من يستخدمه يعد مكشوفاً بشكل خاص للاهتمام الدولي، سواء بسبب الغضب الذي أثاره نشاط الشركة في أوساط حكومات كانت فيها شخصيات رفيعة موضع ملاحقة، أو لأن تشخيص البرنامج في الهواتف المحمولة في أرجاء العالم مكّن من فحص نموذج مشترك يسهل على مسح هواتف أشخاص آخرين بعد ذلك.
بات النشاط الفلسطيني في لاهاي يقلق المستوى السياسي في إسرائيل، الذي أعطى تعليماته لأجهزة الاستخبارات وجهاز القضاء لمتابعتها وتحليل معانيها. في السابق، خافت وزارة العدل والنيابة العسكرية بالأساس من محاولة دول غربية استخدام صلاحية التقديم للمحاكمة الدولية، واعتقال ضباط إسرائيليين يمرون في أراضيها ويطالبون بمحاكمتهم على مشاركتهم، كما يبدو، في جرائم حرب في "المناطق -الضفة الغربية- عملياً، هذا الخوف لم يتحقق، وفي حالات معينة وقعت، بالأساس في بريطانيا وإسبانيا، تم وقف النشاط القضائي تقريباً بعد أن بدأ.
في المقابل، تدخل المحكمة الدولية نفسها اعتبر خطراً محتملاً ملموساً أكثر حتى على خلفية حقيقة زيادة السلطة الفلسطينية تدخلها في هذا الشأن. عقد رئيس الحكومة السابق نتنياهو عدة لقاءات حول هذه المسألة في السنة الأخيرة بمشاركة شخصيات كبيرة في وزارة العدل والجيش.
خلال ذلك، يبدو أن وضع شركة NSO آخذ في التعقد. فقد قررت الإدارة الأمريكية في الأسبوع الماضي بأن نشاطات الشركة تسعى إلى تقويض الأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية، وأعلنت عن عقوبات ضدها وضد شركة سايبر إسرائيلية أخرى هي شركة "كانديرو". ومنذ ذلك الحين، استخدمت الشركة الضغط على رئيس الحكومة نفتالي بينيت وعلى عدد من الوزراء للعمل على إلغاء العقوبات، مع التحذير بأن هذه العقوبات ستؤدي إلى إغلاق الشركة وفقدان مئات أماكن العمل. في جهاز الأمن خلاف حول مسألة إلى أي درجة يمكن مساعدة الشركة على الاتصالات مع الإدارة الأمريكية. بعد بضعة أيام على إدخال الشركة إلى القائمة السوداء لوزارة التجارة الأمريكية، استقال المدير العام الجديد للشركة إسحق بنفنستي الذي تم تعيينه في هذا المنصب في نهاية تشرين الأول الماضي.
يبدو أيضاً أن إيران تزيد من استخدام برامج سايبر هجومية، وهي أيضاً تقوم بين حين وآخر باتخاذ عمليات طمس وإخفاء بخصوص هوية من يقفون من وراء الهجمات. في الأشهر الأخيرة، تواجه إسرائيل عدداً يتعاظم من هجمات السايبر، التي تضمنت مستشفى "هيلل يفيه" في الخضيرة (الذي تم شل نشاطاته المحوسبة تقريباً بشكل كامل لبضعة أيام)، وموقع "ديتينغ" للمثليين، ومواقع إنترنت لشركات مدنية. التقدير الآخذ في التعزز هو أن جزءاً غير قليل من هذه النشاطات مرتبط بإيران.
أحياناً النظام في إيران لا يعمل بشكل مباشر، بل بواسطة امتدادات، مثل مجموعات قراصنة مرتبطة به بصورة غير مباشرة. هذه الاستراتيجية تعطي إيران هامشاً للنفي. تبادل اللكمات بين إسرائيل وإيران في مجال السايبر مستمر منذ بضع سنوات. تنبع نشاطات إيران المتزايدة من رغبة في الانتقام بسبب هجومات سايبر واضحة نسبت لإسرائيل، التي أدت إلى تشويش حركة القطارات والسفن في إيران في أيار الماضي والتشويش على تزويد الوقود في الدولة في الشهر الماضي.
المصدر: هآرتس
الكاتب: عاموس هرئيل