لا تزال أزمة العلاقات الدبلوماسية التي افتعلتها السعودية مع لبنان تتسبب "بشلل" حكومي جراء الانقسامات الحادة في المواقف بين الأطراف اللبنانية، فرئيس الحكومة نجيب ميقاتي يصرّ على "النزول عند رغبات" الرياض، فيما يتمسّك وزير الاعلام جورج قرداحي بقرار عدم الاستقالة و"انه لم يخطأ ولن يعتذر من أحد".
وتدخّلت الوساطة العربية والدولية للتخفيف من حدّة التصعيد السعودي على حدّ قولها، حيث زار الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي بيروت والتقى المسؤولين اللبنانيين وادعى انه جاء حاملاً "تسوية" و"مبادرة" لحل "الخلاف"، لكن يتبيّن أنه لم يكن سوى "صندوق بريد"، فالرياض بعثت معه مزيدًا من التشدّد على مواقفها السابقة التي كانت قد أبلغت ميقاتي عنها.
السعودية تشترط تقديمات لبنانية "مجانية"
اكتفى زكي بنقل الشروط والاملاءات السعودية لكن "بصبغة رسمية"، على اعتبار انه تمثيل دبلوماسي من الجامعة العربية، وما بات معروفاً ان الأمر لن يتوقف عند استقالة قرداحي، فالرياض ستظل تختلق الذرائع والأزمات حتى "تُصفّي" حساباتها الإقليمية وخاصة في ظل فشلها الذريع في مأرب اليمينة، كما حساباتها مع ما تدعي انه "نفوذ حزب الله "، فالسعودية تظن ان "قرار" توقّف تقدّم قوات صنعاء في محافظة مأرب هو عند الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله! وهذا مجرّد زعم سعودي حتى يبرّر ضغوطاته على الحكومة اللبنانية ويحمّلها عبء خسائره، في وقت ان الطرف المعنيّ هو قائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي.
كما ان زكي لم يوضّح أي "مقابل" سياسي أو اقتصادي من السعودية فيما لو قدّم الوزير قرداحي استقالته، بالإضافة الى ان أوساط التحليل اللبنانية تشير الى ان السعودية خسرت في كل استثماراتها السياسية في البلد منذ انتهاء الحرب الأهلية، والتي كلّفتها عشرات المليارات، ولهذا هي منكفأة عن لبنان منذ فترة، وترفض أي شكل من أشكال "التقديم" المالي، فلا استقالة قرداحي ولا غيرها من الشروط ستعيد "أموال الخليج" الى لبنان، فلماذا الاشتراط بخطوة "مجانية" تسلب منه سيادته!
واللافت ان جامعة الدولية العربية – المغيّب دورها - لم يتحرّك أمينها العام المساعد الا عندما "مَسّت" الأمور السعودية، فأين كان دورها الحقيقي في التدخّل خلال الحرب على السوريا، بل كانت جزءً من التآمر على دمشق وحصارها عندما "جمّدت" عضويتها! كما يترك هذا التصرّف السريع من الجامعة العربية علامات استفهام عن دورها عندما قطعت السعودية علاقاتها بقطر وحاصرتها اقتصادياً، فهل صارت الجامعة العربية لا تنشط الا بـ "بإيعاز" سعودي!
السعودية: الخسارة اقتصادياً من "طرد" اللبنانيين المنتشرين
وعلى المقلب الاقتصادي، لم يأتي الأمين العام المساعد حسام زكي الا لتشديد لهجة تهديد لبنان بمنتشريه في السعودية لكن لا يجب ان يقع اللبنانيون بـ "الفخ"، فالسعودية أيضاَ مستفيد ومستثمر كبير من التواجد اللبناني على أراضيها حيث يبلغ عدد اللبنانيين المقيمين 120 ألفاً (وليس 400 ألف كما يدّعي البعض) وهم مؤثرين في الاقتصاد السعودي، اذ بحسب الصحف الخليجية، فان اللبنانيين يملكون حصصاً ومصالح في مؤسسات تفوق قيمتها الإجمالية 100 مليار دولار، وهم من المؤسسين لحوالي 600 مؤسسة تتوزّع على أغلب المناطق السعودية.
كما تضيف الصحف الخليجية ان الجالية اللبنانية تُعد أكبر جالية عربية مستثمرة، وتتركز غالب استثماراتهم في أعمال المقاولات، والإنشاءات، والديكورات، وبعض الصناعات، بالإضافة الى ان بعض الشركات اللبنانية الكبرى تدخل في مشاريع ضخمة في السعودية، مثل مترو الرياض، مطار جدة الدولي الجديد، جسور، بنى تحتية، مبانٍ حكومية، وغيرها من المشاريع، وتشغل فئة واسعة من المغتربين اللبنانيين وظائف من الفئتين الأولى والثانية.
ويعود تاريخ تأسيس بعض الشركات اللبنانية الى سبعينيات القرن الماضي ومنها شركة "خطيب وعلمي"، التي يعمل فيها ما يقارب سبعه الاف موظف من مهندسين وتقنيين وخبراء، وتأسست منذ عام 1978 بالإضافة الى بنك لبنان والمهجر، العامل في السعودية منذ ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية، وبذلك فان الاستثمارات اللبنانية تشكّل جزءً من ركيزة الاقتصادي السعودي، وبالتالي فان الرياض تُعد خاسرة أيضاً اذا ما هدّدت اللبنانيين المغتربين في أراضيها.
الكاتب: غرفة التحرير