طرح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في كملته بالأمس، بمناسبة الذكرى الثانية لاستشهاد القائدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، عنوان المرحلة المقبلة. التي لا تنحصر ببلد إنما تنسحب لتؤثر على مجمل المنطقة، وعلى كافة المستويات، بما سيحدّد هويتها ومصيرها. وبحسب سياق وإطار خطاب السيد نصر الله، فان العنوان هو معرفة العدو والصديق بشكل عملي وحقيقي، والتمييز بينهما في السلوك والمواقف.
وقد فرّع السيد نصر الله، بالدلالات والحُجج، لكل ساحة في المنطقة كيفيّة التميز بين صديقها وعدوّها (الولايات المتحدة الأمريكية وأدواتها الإرهابية لا سيما السعودية والكيان الإسرائيلي).
في لبنان
تعتبر الساحة اللبنانية حسّاسة من الناحيتين الأمنية والسياسية، نظرا لاقتراب الاستحقاق الانتخابي في أيار المقبل، التي قد تحدّد التوجهات اللبنانية العامة، والتي ستكون نوع من الاختيار، ما بين لبنان الذي يتبع أمريكا وينصاع لشروطها وشروط أدواتها في المنطقة والداخل، أم لبنان السيادي المستقل في القرار السياسي الداخلي والخارجي؟
فالتدخلات الأمريكية بلغت حداً صارخاً في الشؤون اللبنانية، بدءَ من الاجتماعات واللقاءات الامريكية المكثّفة مع المؤسسات العسكرية، والتي بأغلبيتها تتم مع قائد الجيش العماد جوزيف عون. وفي آخر معطيات النشاطات الأمريكية، ان واشنطن بدأت بتقديم الدعم الأكاديمي لإعداد فريق عمل العماد عون، اذ ما انتخب رئيساً للجمهورية بعد الانتخابات النيابية. مروراً بالجهاز القضائي (أحد أهم أعمدة السيادة اللبنانية)، ودعمها لاستنسابية القاضي طارق البيطار في ملف التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، بما أدى الى انقسامات في مواقف القوى السياسية الأساسية في البلد، والتي أدّت الى فقدان ميثاقية الاجتماعات والقرارات الوزارية. وصولاً الى الضغط من أجل التنازلات في ملف الترسيم البحري مع الكيان الإسرائيلي، مقابل الحصول على أموال قروض البنك الدولي، التي ستفاقم الأزمة الاقتصادية اللبنانية في نهاية المطاف. وأيضاً لا تنفك الإدارة الامريكية عن الضغط على الدولة اللبنانية، لمنع الاستثمار في العروض الروسية والصينية والإيرانية، التي تخلّص لبنان عملياً، من العديد من مشكلاته في مختلف القطاعات، لا سيما في القطاع الكهربائي. كما أنها حتى في مسألة استجرار الغاز المصري عبر سوريا والأردن الى لبنان، وبالرغم من إعلان الأطراف اكتمال الصيانات اللوجستية، الا ان الولايات المتحدة لا تزال تعرقل لأسباب سياسية.
وقد تطرّق السيد نصر الله في صلب حديثه الى الدور الإرهابي الذي لعبته السعودية في لبنان، في سياق التعليق على كلام الملك سلمان بن عبد العزيز، وقوله بأن "حزب الله الإرهابي"، الذي لم يستلزم من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إصدار بيان "يتبرّأ" من كلامه ضد مكوّن أساسي لبناني، كما لم تستلزم تجاوزات والاساءات الكلامية للسفير السعودي وليد البخاري أي ردة فعل تُذكر من وزير الخارجية عبد الله بو حبيب!
ومن هنا أهمية معرفة "العدو" الحقيقي للبنان، الذي لن تنفع معه بيانات "النأي بالنفس"، التي لم تقّدم شيئا للبنان حتى الآن، مثلما حصل بعد استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي التي لم تقدم شيئاً على هذا الصعيد!
في العراق
أما في العراق، فقد قدّم السيد نصر الله الأدلة الواقعية، التي اعترف بها السعوديون بأنفسهم حول دعمهم للمجموعات الإرهابية في العراق، التي نفذّت العمليات الانتحارية منذ عام 2003. وأعاد السيد نصر الله التأكيد على دور السعودية، في تصدير الفكر الوهابي الى العالم الإسلامي، والتي كانت الولايات المتحدة شريكة فيه حين قال: " محمد بن سلمان بلحمه ودمه وشحمه وصوته، هو يقول أنّ امريكا هي التي طلبت من المملكة العربية السعودية خلال عشرات السنين الماضية، أن تعمل على نشر الفكر الوهّابي في العالم الإسلامي وفي العالم... وأنّ المملكة امتثلت لطلب الولايات المتحدة الأمريكية".
وكذلك في سوريا، فان واشنطن وأدواتها دعمت وموّلت وجود الجماعات الإرهابية، ولا تزال تمارس ما يسمى "قانون قيصر"، في ظل إطباق الحصار السياسي والاقتصادي على دمشق. كما ان كلّ ما ارتكبه الكيان الإسرائيلي من اعتداءات وجرائم بحق الشعب الفلسطيني، منذ العام 1948 حتى اليوم، كان بدعم وغطاء أمريكي. "الحامي الأكبر والحقيقي لإسرائيل في المنطقة هي الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي هي مسؤولة عن كلّ جرائم إسرائيل"، يضيف السيد نصر الله.
إذا وضع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في ساعة وست دقائق تحديداً، المنطقة كاملة أمام مسارين، إما الخضوع للمشروع الأمريكي – الإسرائيلي – السعودي وإما الوعي به ومواجهته.
الكاتب: غرفة التحرير