انقلاب جديد في السودان، لكن هذه المرة قاده رئيس المجلس السيادي الفريق الأول الركن عبد الفتاح البرهان بواسطة الجيش، ليتولى السلطة بدون وجود ومشاركة الحكومة المدنية والقوى السياسية. وألقى برهان في خطابه الأول ما بعد الانقلاب باللوم، على ما وصفه بالاقتتال السياسي والخلاف بين القادة العسكريين والمدنيين، الذي تسبب بالوصول الى هذا الوضع الذي يشبه ما كانت عليه الحال عند الإطاحة بالرئيس عمر البشير قبل عامين. وأعلن البرهان حالة الطوارئ العامة في البلاد، وحل مجلسي السيادة والحكومة وتعليق بعض مواد الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية في البلاد.
هذا الانقلاب تسبب باندلاع الاحتجاجات في عدة مدن، من بينها العاصمة الخرطوم، رفضاً له وللمطالبة بعودة الحكم المدني. وقد تسببت هذه الاحتجاجات بسقوط 7 أشخاص قتلى وجرح 140، بعد إطلاق النار عليهم من قبل القوات المسلحة.
لكن الخطير في هذا الانقلاب، أن من نفذه هي القيادة العسكرية الممثلة بالبرهان ونائبه قائد لواء التدخل السريع الفريق "محمد حمدان دقلو" المعروف بـ"حميدتي". هذه القيادة منذ استلامها للسلطة، تنال دعماً غير محدود من الدول الخليجية والعربية وعلى رأسهم الإمارات، إضافة الى أنها كانت المسبب الرئيسي في توقيع اتفاقية التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، الذي يعتبر الرابح الأكبر مما يحصل هناك. بينما كان الفريق المدني للقيادة أقل حماسة لخطوة التطبيع، لكن تم إقناعه في النهاية. وتشير المعلومات أن رئيس الحكومة المخلوع عبد الله حمدوك، كان يستعد للسفر الى العاصمة الأمريكية واشنطن لكي يوقع على الاتفاق.
تواطئ أمريكي عبر "فيلتمان"
لكن أبرز ما لفت المراقبين للأوضاع هناك، إلى أن هذا الانقلاب حصل بعد أيام قليلة (ليل أول من أمس) من زيارة المبعوث الأمريكي لمنطقة القرن الأفريقي "جيفري فيلتمان"، المعروف بقيادته وتخصصه بالعمليات الانقلابية بكل أنواعها. خاصة وانه علق على الانقلاب الذي حصل بالتعبير عن "قلقه" فقط، والتهديد بحرمان السودان من المساعدة المخصصة له.
لذلك فإن كل ما سنشهده في وسائل الإعلام من إدانة واسعة لهذا الانقلاب، لن تتجاوز حدود البيانات الكلامية، لأن من مصلحة الإدارة الأمريكية العليا، دعم سلطة تعهّدت بنقل السودان من مرحلة التطبيع مع إسرائيل إلى مستوى الشراكة معها. ففي هذا الإطار كانت حملة تصفية وإغلاق المؤسسات المالية، التابعة لحركات المقاومة الفلسطينية. كما أنهم تعهدوا بتعزيز التعاون الأمني والاستخباري مع كيان الاحتلال، لمنع تهريب الأسلحة الى المقاومة عبر بلادهم والبحر الأحمر.
رب ضارة نافعة
هذا الانقلاب بما يشهده من احتجاجات شعبية غاضبة وناقمة، على السلطة العسكرية الجديدة، قد يؤدي الى عدة تداعيات لن تكون في مصلحة الأمريكيين والإسرائيليين على حد السواء في هذا البلد والمنطقة. ومن أبرز هذه التداعيات:
1)تقديم الإثبات الجديد لكل من يتبع الأمريكيين في المنطقة، بأن نموذج الانسحاب الأفغاني سيتكرر في كل ساحة، وأن التخلي عنهم هو خيار سهل متى ما انتفت الحاجة لهم، بوجود بديل قادر على تأمين مصالحهم أكثر. وهذا ما سيضعضع الثقة عند الكثير من أنصار جمعيات الـ NGO’s في المنطقة.
2) سيؤدي إلى إضعاف نسبة المؤيدين للتطبيع من القوى السياسية والشعبية السودانية. وربما هذا الأمر الذي دفع بالمسؤولين الإسرائيليين الى عد إصدار أي تعليق على أحداث هناك، والتريث في الإدلاء بتصريحات حتى تتضح الصورة.
الكاتب: غرفة التحرير