منذ أربعين عاماً، سارع كيان الاحتلال إلى توقيع "اتفاقية سلام" مع مصر، لما كانت تمثله من مرجعية عربية وقومية من شأنها أن تؤثر مباشرة على قرار الحرب والسلم حينها. غير ان عدم اعتراف الشعب المصري بها واصراره الدائم على وجوب تحرير فلسطين لم تستطع "إسرائيل" ان تحدث فيه تطوراً نوعياً طيلة السنوات الأربعين هذه. بل على العكس من ذلك لطالما كانت تقلق من هذه العقيدة المتوارثة والتي قد تصبح رأس حربة في أي مواجهة مقبلة.
صحيفة يديعوت أحرنوت أشارت في مقال لها إلى أنه " في كل مواجهة مستقبلية مع مصر، قد يتعين على الجيش الإسرائيلي التصدي لجيش ضخم مزود بسلاح حديث، ولكن المخاطر الواضحة والفورية على إسرائيل تحدق على إسرائيل من الشمال".
النص المترجم:
سنحيي بعد بضعة أشهر أربعين سنة على إعادة شبه جزيرة سيناء إلى السيادة المصرية بحكم اتفاق السلام الذي وقعته مع إسرائيل. مثلما هو اليوم أيضاً، تصدر عندنا بين الحين والآخر أصوات تدعي بأن هذا كان قراراً خاطئاً وخطيراً، سيكلفنا غالياً حين تجتاز فرق الجيش المصري القناة ذات يوم، تعود إلى سيناء وتستعد لهجوم على إسرائيل على طول الخط الدولي.
لقد علمتنا حرب يوم الغفران بأن الاستخفاف بالمحذرين محظور، ولكن التجربة المتراكمة في الأربعين سنة الأخيرة لا تعزز هذا الخوف: فالحدود مع مصر أصبحت، مثل الحدود مع الأردن، هادئة وصامتة من ناحية أمنية، ما يسمح للجيش الإسرائيلي بتخصيص قوة هزيلة جداً لصيانة الخط.
قبل أربعين سنة قال لي مبارك، الذي توفي السنة الماضية، إنه وبصفته رجلاً عسكرياً كبيراً، وقائد سلاح الجو في حرب يوم الغفران، يعرف ثمن الحرب الباهظ أكثر من الآخرين. وعليه، فقد أقسم بأن "لن تكون هناك حرب أخرى بيننا". وكرر على مسمعي هذا القسم مرات عديدة.
وقد أوفى بقوله أيضاً. السلام البارد بيننا وبين مصر في ثلاثين سنة ولايته صمد أيضاً في وجه أزمات ومواجهات قاسية بين إسرائيل والساعين لإلحاق الشر بنا في العالم العربي. لم يدخل الجيش المصري إلى سيناء، واحترم اتفاق التجريد من السلاح بتشدد.
سلسلة تهديدات
وفي أواخر عهد مبارك بالذات، وبقوة أكبر بعد تنحيته قبل عشر سنوات، ولد تهديدان جديدان على إسرائيل من ناحية الجنوب لأول مرة، يرتبط الأول بنمو وتموضع خلايا إرهابية في شمالي سيناء.
صحيح أن معظم العمليات تمت ضد الجيش المصري في سيناء وفي داخل مصر أيضاً، ولكن إسرائيل شهدت هي الأخرى أحداثاً على الحدود وإطلاق صواريخ على إيلات إلى جانب تفجيرات متواترة لأنبوب الغاز. وثمة أنفاق بين غزة وسيناء تدفقت من خلالها مواد قتالية، وسلاح، وعبوات ناسفة وعلم عسكري في الاتجاه، بلا عراقيل.
التهديد الآخر الذي فتح على إسرائيل من الجنوب بعد تنحية مبارك جاء مع صعود الإخوان المسلمين مع الحكم، وانتخاب محمد مرسي رئيساً. علاقات الصداقة والأيديولوجيا بين مرسي ورجاله وقيادة حماس في غزة والزيارات المتبادلة أثارت قلقاً شديداً في إسرائيل. وتعاظم هذا أكثر فأكثر حين ألمح مرسي بنيته "إعادة النظر" في الملحق العسكري لاتفاق السلام وإدخال الجيش المصري إلى سيناء.
وهذان التهديدان على إسرائيل أزالهما الجنرال عبد الفتاح السيسي، الأصغر بين أعضاء المجلس العسكري الأعلى الذي أدار مصر بعد مبارك. في صيف 2013 أطاح بمرسي من القصر الرئاسي وأبعد الإخوان المسلمين عن الحكم. كان يمكن سماع تنفس الصعداء الذي سمع في القدس، من مسافات بعيدة.
بالتوازي، شرع في معركة استمرت بضع سنوات لتصفية نشطاء الجهاد في شمال سيناء المسؤولين عن موت مئات الجنود المصريين وإصابة الآلاف. وحسب التقارير، فإن إسرائيل لم تساعد هذه المعركة فقط بالمعلومات وبغيرها من الوسائل، بل وسمحت لمصر بإدخال عشرات كتائب الجيش لمكافحة الإرهاب إلى سيناء.
كجزء من التعاون بين الجيشين، كلف الرئيس المصري كتيبتين منذ المراحل الأولية من المعركة، بإحباط نار الصواريخ والمقذوفات الصاروخية نحو إيلات. وبالتوازي، عمل على سد معظم الأنفاق التي ربطت بين غزة وسيناء. النتيجة: القضاء على الإرهاب، حتى وإن لم يصفَّ تماماً. وتعمق التنسيق الأمني بين إسرائيل ومصر.
سيأتي الشر من الشمال
سيقول المشككون بأن هذا بالإجمال تعاون غريزي ومؤقت، وقد يتوقف بقرار من فوق. كما سيدعون أيضاً وعن حق بأن لا يجب تجاهل وتيرة تسلح مجنون للجيش المصري الذي اشترى في السنوات الأخيرة أفضل الأسلحة الغربية الهجومية: غواصات، طائرات… وبالتوازي، يبني قواعد جديدة ويعمق البنية التحتية العسكرية. "كل هذا سيوجه ذات يوم ضدنا".
يضاف إلى ذلك أنه لا يوجد تفسير مرضٍ للعقل لهذا التسلح ربما باستثناء رغبة مصر في الحفاظ على مكانتها كالجهة القوية والمهمة في ساحة الشرق الأوسط، والاستعداد في وجه تهديدات مستقبلية في البحر المتوسط من جانب قوى عظمى، كتركيا، تحاول أن تعزو لنفسها مخزونات الغاز التي لم ينقب عنها بعد.
ولكن لا يكفي الإشارة إلى القدرة فيما يتعلق بتحليل التهديد العسكري، بل ينبغي الإشارة أيضاً إلى النوايا. والرئيس المصري لا يعزز التعاون الأمني مع إسرائيل فقط، بل إنه قد اتخذ مؤخراً -بتأثير اتفاقات السلام مع دول الخليج- بضع خطوات حذرة في مجال التطبيع المدني: لقاء علني مع بينيت في القاهرة، وهبوط شركة الطيران المصرية في إسرائيل، ودعوته العلنية للدول العربية، والتي لم يطلق مثيلها في الماضي للسير في أعقاب مبادرة أنور السادات للسلام.
في كل مواجهة مستقبلية مع مصر، إذا ما نشبت مواجهة كهذه، قد يتعين على الجيش الإسرائيلي التصدي لجيش ضخم مزود بسلاح حديث، ولكن المخاطر الواضحة والفورية على إسرائيل تحدق على إسرائيل من الشمال.
المصدر: إسرائيل اليوم
الكاتب: عوديد غرانوت