عام 1959 بدأت بريطانيا بتنفيذ استراتيجية جديدة في اليمن، حيث عمدت إلى حشد ولم شمل المشيخات والسلطنات والقبائل التابعة لها وبالتعاون مع أدواتها، لتشكيل كيان سياسي تعتمد عليه في حماية مصالحها والسيطرة على كل الحركات الثورية المناهضة لوجود الاستعمار، فأسست ما سُمي "اتحاد إمارات الجنوب العربي". بعد 60 عاماً ظن هؤلاء ان باستطاعتهم تكرار السيناريو نفسه في خطوة تنم عن جهل في قراءة الميدان السياسي والعسكري للبلاد، خاصة لجهة القبائل.
وقتها وُقّع على عدد من الاتفاقيات، أعلن الاتحاد بموجبها انه "من حق بريطانيا توزيع قواتها في الأراضي التابعة للاتحاد، وإقامة القواعد العسكرية عليها إضافة للاستفادة من القوات المسلحة التابعة له والتي ُربطت مباشرة بوزارة الدفاع البريطانية".
عام 1962 تم الاتفاق على ضم عدن إلى الاتحاد، فانضمت إليه رسمياً بعد عام واحد، مما جعل من القاعدة العسكرية البريطانية تعزز سيطرتها وسطوتها ونطاق عملها بشكل أوسع. ودخلت البلاد في مرحلة أخرى.
على الرغم من محاولة استغلال القبائل حينها وضرب اسفين التفرقة والفتنة بينهم، قرر أبناء هذه القبائل التصدي لهذا الاستعمار المفضوح النوايا والأهداف، وصدر عن الاتحاد الشعبي الديموقراطي بياناً جاء فيه: "إن الاتفاقية هي تعزيز لمراكز الاستعمار وعملائه وتمهد الطريق نحو اقامة دولة واحدة من عدن وإمارات الجنوب مستقلة استقلالاً اسمياً زائفاً لغرض إضفاء الشرعية على الوجود الاستعماري وتشديد استثمار ونهب الموارد والمحافظة على قواعده العسكرية ...السبيل الوحيد لإحباط مشاريعه هو الوحدة الوطنية وتشديد النضال ضد الاستعمار". وبدأت التحضيرات لثورة 14 أكتوبر من الشمال اليمني حيث كانت الشرارة الأولى لانطلاقتها.
عام 2015 وللأهداف نفسها، فرض التحالف بقيادة السعودية حرباً على البلاد. ظناً من هؤلاء ان اللعب على وتر التفرقة بين القبائل وإعادة الكرّة في تجنيدها أمراً سيسمح به أبناؤها. الأمر الذي يدل على جهل مركّب في فهم البيئة اليمنية وطبيعتها وأيديولوجيتها وعقيدتها خاصة تلك تتعلق بحريتها عن أي وصاية خارجية ومحاربة الذين يغدرون بها وحفظ دم أبنائها.
هذه المعتقدات تعرفها حكومة صنعاء جيداً كونها من أبناء هذه القبائل، من الخلفية والمرجعية الوطنية نفسها، تجمعهم الأهداف والرؤية الواحدة حول ضرورة تقرير اليمن لمصيره بنفسه عكس "حكومة الفنادق" المرهونة لواشنطن والمقيمة في الرياض.
لأجل ذلك وتطبيقاً لدعوة قائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي "لحفظ دم القبائل" يعمد الجيش واللجان الشعبية إلى عقد اتفاقيات مع المشايخ وكبار العشائر لتحييدهم عن القتال والعمليات العسكرية خاصة في مأرب تمهيداً لحسم المعركة فيها، بعد قدرتهم على احكام السيطرة عليها من عدة جبهات.
أحد أهم الشواهد على ذلك، قيام قبائل آل ملسى بالتصدي لتعزيزات عسكرية تابعة لحكومة هادي كانت تنوي المرور ضمن أراضيها على جبهة الجوبة، وطرد قوات التحالف وتنظيم القاعدة الارهابي بالتعاون مع قبائل آل بحيبح من مناطقهم. ما يسجل كإنجاز جديد لقوات صنعاء في كشف مشروع التحالف وتقريبها للشعب اليمني وتحييد أبناء القبائل وحفظ دمائهم إضافة لقدرتها على استيعاب واحتواء كافة الشرائح اليمنية وتوطيد الوحدة وتعزيزها.
مخطئ مَن يظن ان القبائل اليمنية قد تكون يوماً أداةً لتنفيذ مخطط استعماري للولايات المتحدة أو السعودية أوالامارات أو أي دولة أخرى. فالتي أخرجت بريطانيا من البلاد منذ أكثر من نصف قرن هي اليوم قادرة على النضال حتى تحرير آخر شبر من أراضيها. هذه القبائل المقرونة بالحرية تعرف جيداً العدو من الصديق وتوّرث ثأرها المحق من جيل إلى جيل.
الكاتب: غرفة التحرير