تحول حزب الله إلى حزب يملك من الجهوزية، والحنكة السياسية، والقدرات العسكريه ما لم تمتلكه دول، ويحمل في جعبته السياسية أبعادًا إقليمية.. وقوة عسكرية، وتأملات نموذجيه عبرت حدود العالم، فغدت قوة رادعة، لها ثقلها وحضورها.
على إمتداد تاريخه لم يحقق حزب الله انتصارات فحسب، بل رسم وثبّت معادلات، غيّرت المحاور القتالية، واسترهبت الماكثين وراء الحروب، وإن أمعنّا النظر لوجدناه مع كل نصر ينمو ويزهو، وعلى إمتداد رقعة انتصاراته إمتدت جذوره في أعماق الوطن، لذا سوف نستعرض في مقالنا هذا أطرافًا من هذه القوة العسكرية بأبعادها العقائدية والمادية، ومدى وقعها وصخبها ليس في لبنان فحسب بل على امتداد المنطقة وأكثر.
أولاً: العقيدة أساس القوة
عندما نتحدث عن حزب الله نتحدث عن جيش منظم ينطلق من نواة عقائدية جهادية تقاتل فيه الروح، اذ لم نسمع يومًا أن حزب الله يفرض تجنيداً إجباريًا، أو يحشد من شتات العالم مرتزقةً كغيره من الجيوش العالمية التي باتت تعتمد على الوكلاء، بل على العكس من ذلك إن كل منتسب إلى هذا الحزب، إنطلق من فطرة عقائدية، ورغبة جهادية، وكان هذا الإندفاع الجزء الأكبر الذي رسّخ دعائم الحزب.
ينطلق المقاوم من طلقته الأولى راغباً بالنصر أو الشهادة، هذه هي النقطة الأولى من قوة هذا الحزب، ولعلّ افتقار جيوش العدو لهذه السمة هي السبب في انقلاب وتزعزع صفوفهم، وتؤكد التجارب التي خاضها الكيان الاسرائيلي أثناء حروبه على لبنان، وخاصةً في حرب تموز 2006 صحة ذلك، إذ أن العديد من جنوده لا يزالون قيد العلاج النفسي، لعدم رغبتهم في القتال، على عكس المجاهد الذي يكون مندفعاً نحو الميدان.
أما صلب هذه القوة لم يكن وليد ساعة، بل كان وليد ليال طوال، وسنين عجاف، فلم يبدأ حزب الله رحلته الجهادية، مصطحبًا رتلًا من الدبابات،أو أسلحة وعتاد، بل خطّ خطاه الأولى سيرًا على الأقدام يعبر واديًا، ويتسلق جبالًا، ومع ذلك عبر جسور المحتل، وحقق النصر الأكبر في الخامس والعشرين من أيار، حيث تحول من هناك إلى قوة لفتت أنظار العالم القاصي والداني، ومع الوقت، أصبح الحزب قوة مؤثرة ولاعبًا أساسيًا، إلى أن كانت تموز 2006 شهر المعادلات الكبرى، التي جعلت الاسرائيلي يحسب الحسابات للدخول في أي مغامرة عسكرية جديدة في لبنان.
ثانياً: قدرات عسكرية ضخمة
شهد قدرات حزب الله نقلة كبيرة على الصعيد العسكري، إذ زادت ترسانته من الأسلحة من نحو 33 ألف صاروخ وقذيفة قبل حرب 2006 إلى ما يقدر بـ150 ألف صاروخ بحسب بعض التقديرات، ومنها تقدير مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، وكذلك الإعلام الاسرائيلي ومسؤوليه، وقد زاد عدد مقاوميه من بضعة آلاف عام 2006 إلى أكثر من عشرين الفاً إبان الحرب حسب التقديرات نفسها.
تستند قوة حزب الله العسكرية إلى كمية ونوعية الصواريخ التي يمتلكها، وتستخدم استراتيجية الحزب عادةً القذائف والصواريخ كأسلحة هجومية، بالإضافة إلى وحدات المشاة الخفيفة والدروع المضادة للدروع، فضلاً عن الطائرات المسيّرة.
ويمتلك حزب الله كميات من الصواريخ المضادة للطائرات والقذائف المضادة للسفن، فضلًا عن آلاف من القذائف المضادة للدبابات التي يتمتع عناصره بمهارات في استخدامها. وتشمل نقاط القوة التكتيكية لحزب الله التغطية والإخفاء، والنيران المباشرة، وإعداد المواقع القتالية. وفي هذا الإطار، تقول مجلة "فورين أفييرز" إن قدرات حزب الله العسكرية تفوق القدرات، التي يعرفها العالم عنه، مشيرة إلى قول وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو، في فبراير/ شباط، بأن قدرات حزب الله في تزايد مستمر.
وأورد مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية تقريرًا عن قدرات حزب الله، قال فيه، إنه يعد أضخم قوة عسكرية، خارج إطار الجيوش النظامية، في العالم، مشيرًا إلى أنه يمتلك ترسانة هائلة من المدفعية الصاروخية، إضافة إلى صواريخ باليستية، ومضادات للطائرات، وأسلحة مضادة للدبابات إضافة إلى القذائف المضادة للسفن.
ثالثاً: حزب الله صانع المعادلات
شيئاً فشيئًا أصبح حزب الله قوة إقليمية لا يُستهان بها، وكان للحرب السورية الأثر الأكبر على إظهار هذه القوة، وعلى كسب خبرات متعددة في ظروف بيئية مختلفة أرّقت العدو الإسرائيلي، خاصةً أن الجماعات الإرهابية لم تستطع الصمود أمام قوة حزب الله.
لقد تدرّج دور حزب الله في سوريا من العمل الدفاعيّ عن المناطق الحدوديّة، إلى التحول في الأداء من الخبرة الدفاعيّة إلى المشاركة الميدانيّة الهجوميّة إلى جانب الجيش السوريّ، وتحول أداؤه العسكريّ إلى التكتيك الهجوميّ المضاد لحرب العصابات في وجه الجماعات الإرهابية. وقد ظهر ذلك في مدينة القصير في حزيران/ يونيو 2013، وكذلك في منطقة القلمون السوريّة في 14 نيسان/ أبريل 2014، وبذلك استطاع الوقوف إلى جانب الجيش السوريّ، والعمل على تحرير معظم المناطق السوريّة، بما فيها حمص وحلب وصولاً إلى دير الزور ومنطقة البوكمال.
ثمة مسلّمة لم تعد قابلة للنقاش، أن الانتصارات الكبرى التي حققها حزب الله في سوريا وصولاً إلى معادلات القوة التي لعبها في لبنان خاصةً مع المعادلة الأخيرة التي سطرها بوجه الجيش الاسرائيلي بقصف الصواريخ، ومن ثم تحدي العدو من خلال كسر الحصار وإدخال ناقلة النفط دون أي يتجرأ أحد على قصفها، جعلته يلعب دوراً إقليمياً عابراً لدوره المحليّ، وجعلته ينطلق من الحماية لمناطقه وعمقه الاستراتيجيّ، إلى ركيزة أساسيّة للدّفاع عن محور المقاومة، وتحقيق إنجازات قلبت المعادلة العسّكرية، وساهمت في إفشال مشروع الشّرق الأوسط الجديد.
وثمة حقيقة أخرى، أن ما كان يخاف منه العدو الإسرائيلي حصل، فقد استطاع حزب الله أن يُنمّي قدراته العسكريّة لمحاكاة أساليب القتال في مختلف الظروف والبيئات الجغرافيّة المحيطة بأيّ معركة، ومن ثمّ قام بتأمين خطوط الدعم الاستراتيجيّة لإدخال السلاح له عبر سوريا.
نتيجة ذلك تحولت قوّات حزب الله، إلى تهديد استراتيجي لـ"إسرائيل" عبر إرساء معادلات ردعٍ جديدةٍ نتيجة، تجعل العدو الإسرائيلي يحسب الحسابات قبل الدخول في أي حرب بمواجهة المقاومة، فضلاً عن حدود لبنان أصبحت آمنة بفضل هذه القوة التي حمته من الجنوب إلى الشرق بالتكاتف مع الجيش اللبناني، والالتفاف الشعبي الكبير الذي يٌعد عاملاً مهما وضرورياً في ثبات هذه المقاومة.