لم تعد المواجهة بين حزب الله والولايات المتحدة الأمريكية في لبنان، مواجهة بين الحزب وأدوات واشنطن في البلد، بل باتت كما يقال بالعامية "عالمكشوف، وج بوج"، أي مباشرة بين الحزب والخصم الأصيل دون الاكتراث لتوابعه. وللخصم قاعدة متقدمة ينطلق منها في مواجهاته - ذات الطابع الهجين ما بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي- وهي السفارة الأمريكية في عوكر. التي وللمناسبة يقومون بمشروع بناء موقع جديد لها، بميزانية تبلغ مليار و200 مليون دولار أمريكي.
هذه المواجهة المباشرة بدأها الأمريكيون منذ حراك 17 تشرين الأول في العام 2019، من خلال قيادتهم لأغلب جمعيات المجتمع المدني ال NGO’s، التي أعلنوا لها بوضوح أن برنامجهم الأساسي في المرحلة التي تسبق الانتخابات النيابية للعام 2022: ضرب حزب الله معنوياً، من خلال تحميله مسؤولية كل خراب يحصل في البلاد، وتوجيه الضغط ضد كل من يتعامل معه، خصوصاً التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس التيار النائب جبران باسيل.
أما الطرف المقابل، فقد أعلن عن قبوله لهذا الشكل من المواجهة صراحة، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي تحدث في خطابه بمناسبة العاشر من المحرم: "نعرف أن الإدارة الأميركية هي التي تدير هذه الحرب وأن السفارة الأميركية في عوكر هي الوكر المباشر الذي يدير هذه الحرب الاقتصادية والإعلامية، السفارة الأميركية هي التي تقف خلف كل هذا التحريض والتجييش الإعلامي للبنانيين على بعضهم البعض، نحن نعرف أن السفيرة الأميركية شخصياً تلتقي ببعض من يسمى بالـ"NGOS"، ما يسمى بجمعيات المجتمع المدني وتطالبهم وتحرضهم وتمولهم وعندما يفشلون تعاتبهم وستعابتهم طويلاً. أمام هذه الحقيقة والواقع، هذه السفارة الموجودة في عوكر ليست سفارة تمثيل ديبلوماسي، هذه سفارة تآمر وتواطئ على شعب لبنان، على لقمة الخبز في لبنان، على عرق الجبين في لبنان، على كرامة الإنسان في لبنان، من موقعها الشيطاني الفتنوي. أريد هنا أن أقول لهذه السفارة فشلتم في الماضي وستفشلون، خلال عشرين سنة دربتم جيوشاً نظامية، جنرالات وعساكر وفشلتم وأخفقتم، ماذا سيفعل لكم هؤلاء المساكين من جمعيات المجتمع المدني وفي مقابل من؟ في مقابل الوطنيين الشرفاء في لبنان، في مقابل قوى المقاومة في لبنان، في مقابل المقاومة التي هزمتكم وهزمت النسخ المتعددة من مشروعكم في لبنان وفي المنطقة؟! ولذلك تتعبون أنفسكم بلا طائل وتنفقون الأموال بلا طائل."
بعد هذا الخطاب، سارع الأمريكيون عبر وسطائهم غير المباشرين مع الحزب، الى الاستفسار عن ماهية هذه العبارات، وهل سيكون لها تأثير ميداني ما. يومها أجاب الحزب بأن الخطاب واضح، وأن المواجهة معهم ستكون مباشرة في إفشال كل تدابير حصارهم، من خلال كسر نفوذهم وإجراءاتهم المسيطرة على أهم القطاعات: المشتقات النفطية، الدواء، والغذاء.
كسر الحصار
لم يكن قرار حزب الله بإحضار المشتقات النفطية من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هو أول قراراته لمواجهة الحصار الأمريكي، بل هو أكثرها تأثيراً استراتيجياً من عدة نواح أهمها:
1)تقديم الإثبات لجميع اللبنانيين، أن أمريكا بسفارتها هي الجهة المحاصرة، التي سارعت سفيرتها "دوروثي شيا" بعد الخطاب (بالصدفة كما قال شينكر")، الى إعلام اللبنانيين أن بلادها وافقت على استجرار الغاز المصري واستيراد الكهرباء من الأردن عبر سوريا، دوت أن يتأثر لبنان بعقوبات "قانون قيصر".
2)كسر كارتيل الشركات المستوردة التي بأغلبيتها تتبع وتطبق السياسة الأمريكية، من تقنين المواد واحتكارها وصولاً الى استنسابيتها بالتوزيع على محطات في مناطق دون أخرى، وصولاً إلى تعميم مشهد الطوابير في كل المناطق، مع ما يتخلله من مشاكل واشتباكات، ستساهم في رسم مشهد البلد المنهار. عندها يأتي دور أغلب الوسائل الإعلامية وجمعيات ال NGO’s، في الهجوم على حزب الله.
لذلك فإن الحزب من خلال إحضاره إلى ما مقداره ثلث حاجة السوق من هذه المشتقات، سيساعد في ضرب هذا الكارتيل، ودفعه نحو الالتزام بما يريده اللبنانيون وليس "عوكر".
3)إظهار البديل المناسب للبنانيين المتمثل بالتوجه شرقاً، وتبيين ما يمكن لسلوك هذا الخيار أن يساهم فيه (بالتجربة)، من وقف لانهيار البلد بالمرحلة الأولى، ولاحقاً نحو النهوض به.
4)هذا القرار سيمتد ليشمل قطاعي الدواء والمواد الغذائية، بحيث سيتم ادخال 500 نوع من الأدوية الإيرانية والسورية وربما من دول أخرى، لكسر كارتيل شركات الأدوية التابع لعوكر أيضاً. أما المواد الغذائية، فسيتم افتتاح عدة مخازن كبرى وتفعيل بطاقة السجاد، لتؤمن لكل لبناني حاجاته الطبية والغذائية الأساسية.
الكاتب: غرفة التحرير