وجدت الولايات المتحدة الامريكية أن استخدام القوة العسكرية لمواجهة التهديدات لمصالحها الإستراتيجية بات يتّصف بصعوبة وكلفة وخطورة متزايدة، فلجأت الى الوسائل غير العسكرية لإرغام وردع وإضعاف ومعاقبة الذين يهددون المصالح الأمريكية وهي ما تسمى بالحرب السياسية. تتضمن هذه الحرب، العقوبات الاقتصادية، وإدارة التحالفات السياسية، والإجراءات السياسية العقابية، والحملات الدعائية، والتضييق على التجارة والتحكم بها، والحظر على البضائع والأشخاص، ودعم المعارضة السياسية، والتضييق على المقومات الحياتية الأساسية بما فيها المشتقات النفطية. القاسم المشترك بين هذه الأدوات هو قدرتها على لَوي السياسات، وكسر الإرادات، وإرخاء قبضة المعنيين عن السلطة. يعتمد نجاح الحرب السياسية الأمريكية على مدى ضعف المستهدف.
ومارست واشنطن الحروب السياسية في عدة محطات منذ قبل حقبة الحرب الباردة، حيث استخدمت مجموعة واسعة من التدابير السياسية والثقافية والإعلامية والاقتصادية، وذلك من خلال عدد من المؤسسات، مثل: وكالة الولايات المتحدة للمعلومات USIA، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID، ووزارة الخارجية، ووكالة الاستخبارات المركزية.
يعيش لبنان اليوم في أجواء الحرب السياسية الامريكية والتي بدأت منذ اتفاق الطائف "وقت السلم" لأن شرط تنفيذ الحرب السياسية هي "توفر أرض سلمية"، وتهدف الى إرغام المقاومة في لبنان ونزع سلاحها من أجل تحقيق الهدف النهائي وهو "التطبيع مع الكيان المؤقت".
أدوات الحرب السياسية الأمريكية على سلاح المقاومة
إدارة التحالفات السياسية
تأتي إدارة التحالفات السياسية التي تعمل عليها أميركا تحت عنوان مساندة خصوم العدوّ أي تقوية ومساندة وتوجيه المجموعات التي تعارض وجود سلاح حزب الله. ولهذا الغرض تقوم واشنطن بتقديم المساندة العسكرية والمادية والتوجيهات السياسية لهذه المجموعات لمواجهة سلاح المقاومة في الداخل اللبناني. تولي المجموعات الاستخباراتية الأمريكية تنفيذ هذا الدعم للقوى السياسية المعارضة للمقاومة في لبنان بهدف إخفاء العلاقة الأمريكية المباشرة مع هذه القوى من أجل حماية مصداقيتها أمام الداخل اللبناني.
تسيطر واشنطن بالتعاون مع المحور الخليجي (السعودية والإماراتي) على قرارات فئة من الطبقة السياسية والاقتصادية التي حوّلت لبنان بعد "اتفاق الطائف" الى مركز لتقديم الخدمات السياحية والمصرفية منذ مطلع التسعينات وحتى بدء الأزمة الحالية في خريف العام 2019. وعبر منظومة كان يديرها الرئيس رفيق الحريري عملت على جعل لبنان ذات اقتصاد ريعي مبني أساسًا على التثبيت المطلق لسعر الصرف، أي التزام البنك المركزي بسعر محدد لليرة مقابل عملة أخرى (الدولار)، مهما كلف الثمن من تداعيات للوضع الاقتصادي في البلاد أو للقطاعات المنتجة. وهو السبب الأساسي فيما وصلنا اليه اليوم من أزمة. فبهذه التحالفات السياسية والتوجيهات الأمريكية أمنّت واشنطن استحكامها بالاقتصاد اللبناني وسيطرتها على مفاصله لمحاربة سلاح المقاومة بـ "طريقة سريّة" باستخدام الحصار الاقتصادي.
فعلى سبيل المثال، تحالف الأمريكي مع قوى 14 آذار وعلى رأسهم الكتائب اللبنانية والقوات اللبنانية بالإضافة الى تحالفها مع حاكم مصرف لبنان والذي بالرغم من وجود حقائق ملموسة على تورطه بسرقة أموال المودعين إلا ان ديفيد هيل صرّح في 3 تموز 2021 أن "حاكم المصرف المركزي وهو شخصية أساسية للمضيّ قدماً، لا مؤشرات تدينه بما خصّ الفساد المالي والتحقيقات لم تنته بعد.."
إضافة الى الأذرع السياسية والاقتصادية، لها أذرعها الأمنية والعسكرية حيث زرعت الكثير من القيادات الأمنية والعسكرية في المؤسسات الرسمية اللبنانية وفي مناصب ورتب متنوعة تتوزع من أعلى الهرم الى أسفله، وهؤلاء هم إما يكونوا حلفاء حينًا او أدوات أحيانًا اخرى، وهذا الأمر ليس فقط منذ بداية تسعينات القرن الماضي بل وربما يمتد لما قبل الحرب الأهلية اللبنانية. صرّح مدير مخابرات الجيش اللبناني سابقًا جوني عبده أن "كل الضباط (العسكريين والأمنيين) الذين يخرجوا الى الولايات المتحدة وغيرها من الدول في دورات طويلة نسبيًا تمتد الى أشهر او أكثر من سنة أحيانًا، هؤلاء هم بالحد الأدنى أصدقاء لأميركا".
كما تقوم السفارة في عوكر على إدارة التحالفات بين منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية الحليفة لها من اجل خلق تكتل كبير في وجه المقاومة اللبنانية، حيث دعمت واشنطن المرشحين "التغييريين" للدخول الى المجلس النيابي لخلق تحالف كبير يعارض شرعية سلاح المقاومة، الأمر الذي سرعان ما تكشف بعد الانتخابات النيابية حيث بدأت الأصوات الأمريكية بمطالبة نزع سلاح حزب الله.
وتعمل أميركا بشكل مستمر على نسج علاقات قوية مع قيادة الجيش اللبناني، وتروّج بأنها تقوم بدعمه لوجستيًا، والواقع أن الدعم يقتصر على اسلحة خفيفة فقط وقنابل منتهية الصلاحية، وكان وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل قد صرّح في أيلول 2020 أن دعم واشنطن للجيش اللبناني "يأتي ضمن استراتيجيتنا لمواجهة إرهاب حزب الله"، موضحاً أن "الجيش اللبناني قادر على تنفيذ مهامه، وحزب الله ستكون قدراته أكبر لولا وجود الجيش اللبناني هناك". ولكن بالرغم كل المحاولات الأمريكية لا يزال الجيش اللبناني مستقلًا ولا يخضع للأجندة الأمريكية.
ويواجه حزب الله التحالفات السياسية المعارضة عبر اتجاهين: تثبيت تواجده بالبرلمان النيابي والحفاظ على تحالفاته السياسية مع القوى المؤيدة للمقاومة في الداخل اللبناني لا سيما تحالفه مع التيار الوطني الحرّ، ومن خلال هذين الاتجاهين يشكل حزب الله قوّة سياسية تستطيع احباط مشاريع الحلف الأمريكي –السعودي بأذرعه اللبنانية.
ويواجه الحزب محاولة الإدارة الأمريكية لاستخدام الجيش من خلال تكريس وتثبيت معادلة جيش – شعب – مقاومة في كافة الميادين الرسمية والجماهيرية، وكان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطاب النصر بتحرير الجرود من إرهابيي تنظيم النصرة آب 2017 قد أعلن: “سيكون حزب الله بخدمة وتصرف الجيش اللبناني، ونحن جاهزون لكل ما يطلبه الجيش ويحتاج إليه".
الحصار الإقتصادي
تسبب العقوبات التجارية والاقتصادية ضائقة اقتصادية كبيرة: خسارة الوظائف، التضخم، التقنين، وتراجع المعايير المعيشية. وهذا ما حصل بالفعل جرّاء استخدام واشنطن على مدى الطويل العقوبات والحصار التجاري والاقتصادي على لبنان. كل ذلك بهدف الضغط السياسي الداخلي على الفئة "المسببة" لهذا الحصار. وهنا يكمن الهدف الأمريكي.
تمارس أميركا سياسة الحصار الإقتصادي على لبنان باستخدام الأدوات والوسائل التي تمتلكها الادارة الاميركية وتجعلها لاعبًا اساسيًا ومحركًا لكل ما يجري من أزمات معيشية وحياتية في لبنان. فهي وأذرعها من سياسيين وإقتصاديين ورجال أعمال يسيطرون على المفاصل الاقتصادية الأساسية في لبنان، وهي بذلك تحتكر الكثير من السلع والمواد الأساسية على رأسها المشتقات النفطية من البنزين والمازوت والغاز، بالإضافة الى الأسمنت والترابة وصولًا الى السلع الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية وحتى حليب الأطفال. ومن هذه السياسات:
-إقحام المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لفرض شروط تعجيزية على الحكومة مقابل تسهيل قروض تحت عنوان مساعدات استعجالية للبنان على سبيل المثال: رفع الدعم عن المواد الأساسية، تفكيك القطاع العام، خصخصة المؤسسات الاقتصادية والصناعية، تعويم الليرة.
-استخدام المؤسسات المالية الدولية -كأدوات ضغط- لتقديم قروض بغرض تطوير البنية الأساسية وبناء محطات توليد الكهرباء والطرق والموانئ والمطارات بشرط قيام المؤسسات التابعة للولايات المتحدة بتنفيذ تلك المشروعات. يعني ذلك، احتكاراً أميركياً لكل الإمكانات والموارد وعدم السماح لأي دولة أو قوة إقليمية أخرى في المنطقة بتقديم العون أو الاستثمار في لبنان.
-الفيتو الاميركي لمنع لبنان بالتوجه الى دول اخرى تدعمه وتستثمر فيه سواء روسيا او إيران او الصين وحتى بعض الدول الاوروبية، وسبق لشركة سيمنز الالمانية بالتزامن مع زيارة المستشارة أنجيلا ميركل الى بيروت في العام 2018، ان قدمت عرضًا لتأمين حاجة لبنان خلال 6 اشهر بكلفة 800 مليون يورو ولكن العرض قد رفض، علما ان عروضًا عديدة قدمت من إيران والصين وروسيا في هذا الاطار، وآخرها ما قدمه الوفد الروسي الذي زار لبنان مؤخرًا عارضًا بناء محطات كهرباء ومصفاتي نفط وإعادة إعمار مرفأ بيروت.
-فرض شرط أساسي للولايات المتحدة الأميركية في مسألة تحريك النفط اللبناني، وهو ترسيم الحدود البرية والبحرية الجنوبية مع فلسطين المحتلة وفقاً لمصلحة الكيان المؤقت.
-فرض عقوبات على حلفاء المقاومة من السياسيين البارزين تحت ذريعة تطبيق قانون ماغنيتسكي وعلى رأسهم رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران وباسيل والمعاون السياسي للرئيس نبيه بري، النائب علي حسن خليل والوزير السابق يوسف فنيانونس القيادي في تيار المردة والمقرب من رئيسه سليمان فرنجية. بالإضافة الى السياسيين البارزين، تفرض أميركا عقوبات على رجال أعمال بحجة "الوساطة المالية" على سبيل المثال أصدرت وزارة الخزانة الأميركية في 19 ايار 2022 عقوبات جديدة على رجل الأعمال اللبناني أحمد جلال رضا عبدالله واتهمته "بالوسيط المالي لحزب الله". وفي كانون الثاني 2022 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ثلاثة لبنانيين وعشر شركات وصفتهم بأنهم جزء من "شبكة دولية لحزب الله" ووجهت إليهم اتهامات بمحاولة تفادي العقوبات المفروضة على حزب الله.
-تضييق واشنطن على كل مصرف يتعامل مع بيئة المقاومة، وذلك تحت مزاعم دعم حزب الله. وبهذا الاطار تم إغلاق الكثير من الحسابات وصولًا لإغلاق مصارف وتصفيتها كبنك الجمّال او البنك اللبناني الكندي، وكل ذلك كان بتنسيق مباشر مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة –الحليف الأمريكي- والذي قام بتطبيق القوانين الامريكية التي ضربت السرية المصرفية وألحقت الاضرار الكبيرة بالاقتصاد والنظام المصرفي في لبنان وساهمت بهجرة الكثير من الرساميل اللبنانية والاجنبية الى الخارج.
-التلاعب في سعر الصرف، وضرب الليرة مقابل الدولار، من خلال شركات الصيرفة والمضاربين، وتهريب الأموال من لبنان إلى الخارج.
-منع السعودية -الحليف الأمريكي- الصادرات اللبنانية الى دول الخليج. هذا الإجراء المتعمد عمّق الأزمة الإقتصادية وخصوصًا على صعيد القطاع الزراعي، فبحسب أرقام "جمعيّة المزارعين اللبنانيين" إن 50 ألف طن من صادرات لبنان الزراعيّة تذهب سنوياً إلى السوق السعودي، وهو ما يوازي نحو 16% من إجمالي صادرات لبنان الزراعيّة. كما يذهب نحو %13 من هذه الصادرات إلى أسواق قطر والبحرين والإمارات، ما يرفع نسبة المحاصيل التي ستتأثّر بهذا القرار إلى 29% من إجمالي الصادرات الزراعيّة اللبنانيّة. إن حرمان القطاعات الإنتاجيّة اللبنانيّة من الوصول إلى الأسواق الخليجيّة، كان كفيلاً بالتأثير في قيمة الدولارات التي ترد إلى السوق المحليّة من عمليّات التصدير، وهو ما ترك أثره على سعر الصرف في السوق الموازية. ولفهم أثر القرار على توازنات عرض وطلب العملة الصعبة في السوق الموازية اللبنانيّة، تكفي الإشارة إلى أن قيمة الدولارات المتأتية سنويّاً من صادرات لبنان إلى دول الخليج توازي وحدها 10% من قيمة الدولارات التي يحتاج لبنان إلى إنفاقها سنوياً لاستيراد ما يحتاجه من سلع وخدمات من الخارج. هذا الإجراء ساهم بشكل كبير في تحقيق الأهداف الأمريكية من الحصار الإقتصادي على لبنان.
-فرض عقوبات اقتصادية على مؤسسات طبيّة واستشفائية ودوائية وتربويّة. على سبيل المثال فرضت واشنطن عقوبات على "مؤسسة الشهيد"، ومجموعة "أطلس"، الشركة الدولية للأدوية والمعدات الطبية (ميديك) و"شاهد فارم" و"سيتي فارما ش.م.ل" وشركة "سانوفيرا فارم" بالإضافة إلى شركات ومؤسسات أخرى تعنى بالسياحة والتجارة؛ من بينها شركة الأمانة للمحروقات.
دعم خصوم حزب الله
إنّ أعظم النفوذ الإرغامي بالنسبة لأميركا يأتي من جهة طرح تهديد للسلطة السياسية أو حتى لاستمرارية نظام يتحدى المصالح الأمريكية. ويتمثّل هذا الطرح بمنظمات المجتمع المدني التي تطالب بـ"الديمقراطية والتحرر" التي تقف خلفها الولايات المتحدة الأمريكية. تحت عناوين دعم الحركات اللاعنفية ذات القاعدة العريضة والمنظمة، وتراهن واشنطن ان دعم منظمات المجتمع المدني هو من الأدوات السياسية الناجحة التي تساهم في نزع الشرعية عن سلاح المقاومة.
تدعم أميركا عناصر المعارضة في الداخل اللبناني على الصعيد المالي والسياسي من أجل تجييش هذه الجماعات ضد سلاح المقاومة، فهي تقدّم مليارات الدولارات سنويًّا في سبيل محاربة حزب الله. صرّح جيفيري فيلتمان في حزيران 2010 أن "الولايات المتحدة تقدم المساعدة والدعم في لبنان الى مؤسساته التي تعمل على إيجاد بدائل للتطرف، وتقليل جاذبية حزب الله لشباب لبنان. من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومبادرة الشراكة الشرق أوسطية (ميبي)، ساهمنا بأكثر من 500 مليون دولار في هذا الجهد منذ عام 2006." وفي تصريح له قال مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالوكالة، جون بارسا – "سألتقي شركاء الوكالة الذين يستلمون المساعدات الإنسانية والصحية في بيروت. الوكالة قدمت حتى الآن أكثر من 15 مليون دولار كمساعدات إنسانية لدعم جهود الرد على هذه الكارثة، مما يرفع حجم المساعدات الإنسانية الأميركية المقدمة من الشعب الأميركي للبنان إلى 594 مليون دولار منذ سبتمبر 2019. المساعدات الأميركية لن تصل حتمًا إلى الحكومة اللبنانية، ولكنها ستذهب إلى الشعب اللبناني عبر الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانية الأميركية. مساعداتنا الإنسانية ستصل إلى سكان بيروت والشعب اللبناني الذين هم بحاجة لها، ولن تكون خاضعة لسيطرة الحكومة اللبنانية."
يبيّن هذا التصريح مدى تنسيق التعاون بين منظمات المجتمع المدني وبين الادارة الأمريكية، فبعد انفجار المرفأ سارع جون بارسا المسؤول عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي تعنى بإدارة المساعدات الخارجية المقدمة للمدنيين الى تنسيق لقاء مع المسؤولين عن جمعيات المجتمع المدني التي سلمت لهم المساعدات والأموال والمصنفة بحسب جون بارسا لـ"دعم جهود الرّد على الكارثة" أي دعم الحملة الدعائية الكبيرة التي تشترك معها محطات تلفزيونية وجرائد مع منظمات المجتمع المدني لاتهام حزب الله وتحميله مسؤولية هذه الكارثة. والجدير بالذكر أنه صرّح ان "منذ ثورة 17 تشرين 2020 حتى 9 آب 2021 أي خلال أقل من سنة تم تمويل هذه المنظمات بمبلغ قدره 594 مليون دولار."
وفي 26 أيلول 2020 وخلال شهادة ديفيد هيل في الكونغرس قال إنه "على مر الأعوام، أمنّا للبنان 10 مليارات دولار، للقوى الأمنية من جهة، ولمنظمات المجتمع المدني من جهة أخرى، من أجل التنمية الاقتصادية والدعم الإنساني". هيل في هذا التصريح يعترف وبشكل واضح أن مبلغًا ضخمًا قدّم الى رؤساء ونشطاء في أحزاب ومتظاهرين وحركات مجتمع مدني بهدف "علني" يقتصر بـ"محاربة الفساد" ولكن الهدف الحقيقي المبطن هو تنفيذ الأجندة الأمريكية ضد المقاومة. أما دوروثي شيا السفيرة الأميركية في لبنان، فقالت في لقاء بتاريخ 13 تشرين الثاني 2020 مع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن "واشنطن ترى حاجة للمساعدة في تعزيز المجتمع المدني هنا، وتقوية مؤسسات الدولة، ومكافحة التأثير المدمر للجهات الفاعلة الخبيثة مثل حزب الله".
في 14 آذار 2019 صرّح ديفيد هيل أن "الولايات المتحدة والقوى الممثلة في 14 آذار تتشارك الكثير من القيم والكثير من الاهتمامات، ليس أقلّها الرغبة في دعم الممارسات الدستورية في لبنان والمؤسّسات والتقاليد الديمقراطية وتطبيق اتفاق الطائف". في هذا التصريح يبيّن هيل مدى انسجام وتوحد مصالح قوى 14 آذار مع المصالح الامريكية وتشارك الأهداف والاهتمامات التي تهدف لنزع الشرعية عن حزب الله
وهنا نشير الى أن أكثر جمعية وصل لها اموال في لبنان بحسب مصادر مطلعة هي جمعية ground 0 التي تترأسها مي شدياق وهي جمعية سياسية تابعة لقوى 14 آذار، وثاني أكبر جمعية وصل لها أموال هي جمعية دفى التي تترأسها بولا يعقوبيان التابعة أيضًا لقوى 14 آذار. ألقى جيفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى سابقًا في حزيران 2010 شهادة أمام الكونغرس حيث قال: "تقدم الولايات المتحدة المساعدة والدعم في لبنان الى مؤسساته التي تعمل على إيجاد بدائل للتطرف، وتقليل جاذبية حزب الله لشباب لبنان، وتمكين الناس من خلال احترام أكبر لحقوقهم وزيادة فرص الوصول إلى الفرص. من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومبادرة الشراكة الشرق أوسطية (ميبي)، ساهمنا بأكثر من 500 مليون دولار في هذا الجهد منذ عام 2006. وتمثل برامج المساعدة القوية هذه جانبًا واحدًا من دعمنا الثابت للشعب اللبناني. منذ عام 2006، تجاوز إجمالي مساعداتنا للبنان المليار دولار. إذا خذلنا ملايين اللبنانيين الذين يتوقون إلى دولة تمثل تطلعات جميع اللبنانيين، فإننا سنخلق الظروف التي يمكن لحزب الله من خلالها، ملء الفراغ، أن يزداد قوة." وفي الإستراتيجية المدمجة لوزارة الخارجية ووكالة التنمية الأمريكية صرّت عبر موقعها الالكتروني في 25 شباط 2021: "نجد أنفسنا في شركة جيدة ضمن تحالف عريض من الشركاء الراغبين والقادرين الذين يشاركوننا مصالحنا، بما في ذلك مجموعة واسعة من الحلفاء الدوليين المتشابهين في الرأي، ووسائل الإعلام المستقلة المعتدلة، ووكلاء التغيير الإصلاحيين في المجتمع المدني اللبناني الغني والمتنوع، والمخلصين. أعضاء الشتات ومجتمعات الأعمال، وحتى الموظفين العموميين المتفانين الذين يسعون داخل المؤسسات اللبنانية لجعل الحكومة تعمل بشكل أفضل للشعب اللبناني." وصرّحت في الوقت نفسه: "تعد مشاركة المجتمع المدني اللبناني أمرًا أساسيًا للحكم الديمقراطي لأنها تسهل على المواطنين الاجتماع معًا لمحاسبة قادتهم والتصدي للتحديات التي لا تستطيع الحكومات وحدها مواجهتها. وبالمثل، فإن وسائل الإعلام المستقلة والمعتدلة التي تتماشى بشكل عام مع قيم الولايات المتحدة ومصالحها تمثل فئة أخرى حاسمة لتحقيق أهداف الحكم الرشيد والمساءلة".
الدعاية المضللة
تمارس واشنطن في لبنان عبر أذرعها الإعلامية سياسة الألماني جوزيف جوبلز مهندس ماكينة الدعاية الألمانية لمصلحة النازية "إكذب إكذب إكذب حتى يصدقك الناس". تقوم الوسائل الإعلامية المدعومة أمريكيا وخليجيًّا بنقل معلومات خاطئة أو غير كاملة أو مشبوهة حول حزب الله من أجل شيطنته داخل بيئة حزب الله والبيئة المعادية له، الأمر الذي يساهم في حشد أكبر عدد ممكن من المعارضين لسلاح المقاومة وتشكيل قوة ضغط سياسية كبيرة ضده.
تتعرض المقاومة إلى حرب إعلامية شاملة تستند إلى حصار اقتصادي مطبق يعطيها مادة فعالة، وتتمحور كل المعركة حول فكرة أن حزب الله هو جزء من منظومة الفساد، ويتحمل بالتالي نتائج الحصار الاقتصادي، مثله مثل سائر الأحزاب الأخرى. يراد من هذه الحرب غايات أكثر عمقًا، فالمستهدف ليس فقط الجمهور الرمادي أو المؤيد أو الذي ينتخب ممثلي حزب الله، بل يراد أن تتغير القناعات داخل البيئة اللصيقة للحزب، بل حتى داخل الحزب نفسه. يتم تحميل هذه الرسائل بكثافة مرتفعة، مع تكرار واستدامة متواصلة ومن منصات لا تحصى، مع تضليل يقوم على ربط الوقائع والاستنتاجات بشكل غير صحيح، ويتم تغليف الافتراءات بلغة تحميل مسؤولية المظلومية، والاتهام بادعاء النقاء وأن الرسائل تكشف عن النفاق، وذلك لإسقاط الدفاعات النفسية، ومنع التفكير الواقعي والثقة بالنفس من مواجهة سيل الأكاذيب.
وتستخدم أميركا حملات التضليل الإعلامية لاستمالة الرأي العام لتنفيذ أجندتها المعروفة ضد سلاح المقاومة باستخدام وسائل إعلامية التقليدية معروفة بمختلف أنواعها على رأسها mtv وlbc والجديد، منصّة Political Pen، جريدة النهار.. المطلوب "شيطنة" هذا الحزب وتحميله مسؤولية الأزمة اللبنانية. المطلوب إلباسه "لبوس" الفساد وفشل سياسات أكثر من ثلاثة عقود مضت. الهدف هو تضييع الحقائق وتغيير الوقائع وبث الفتن والتهم هنا وهناك، وتلمييع صورة واشنطن وحلفائها بالمقابل تشويه صورة المقاومة ومحورها، وإبعاد "اسرائيل" عن صورة الاحداث والاضرار التي تصيب لبنان والمنطقة في مختلف الملفات، وكلام جيفري فيلتمان واضح في هذا المجال عندما ذكر انه دفع 500 مليون دولار لتشويه صورة المقاومة.
وبحسب الوئاثق المسربّة من ويكيليكس فإن هذه المحطات الثلاث برئاسة ميشال المرّ، تحسين الخيّاط وبيار الضاهر يتلّقون أموالًا أمريكية لتمرير الرسائل الإعلامية المعادية عبر برامجها ونشراتها الأخبارية. وكان رئيس مجلس إدارة «أل بي سي آي»، بيار الضاهر، اعترف للرئيس سعد الحريري، كيف تلقّى أموالاً من السعودية والإمارات، مع زميليه تحسين الخيّاط وميشال المرّ. ومن يتابع هذه المحطات الثلاث يدرك حجم الهجمة الإعلامي اليومية التي تشنها ضد سلاح المقاومة بحسب الأجندة الأمريكية والخليجية.
وتعتبر مواقع التواصل الاجتماعي والجيوش الالكترونية وسيلة أخرى تستخدمها واشنطن وحلفاءها الخليجيين لشيطنة حزب الله إذ يعتبر التويتر من اكثر المنصات التي يستخدمها أعداء المقاومة في سبيل تحقيق أهدافهم عبر إطلاق الهاشتاغ وصناعة الترند.
المصدر: وكالات
الكاتب: غرفة التحرير