يدرس كيان الاحتلال بشكل مستمر خياراته الجديدة للتوصّل على تسوية مع الفلسطينيين بعد فشل كل استراتيجياته السابقة. أوساط عسكرية إسرائيلية أكدت أن الفشل الذريع الذي يصيب "إسرائيل" كل مرة هو عدم موازنة الخيار الدبلوماسي والخيار العسكري في آن معاً، تمامًا كالخيار الذي تعتمده فصائل المقاومة الفلسطينية خاصة حماس وإيران.
صحيفة "إسرائيل اليوم" أشارت في مقال لها أن "إسرائيل تميل إلى تكرار أخطائها بأنها تطبق أنماط تفكير غربية على خصومها".
النص المترجم:
سقوط مقاتل حرس الحدود برئيل شموئيلي بعد إصابته الشديدة بنار ناشط حماس على حدود القطاع، لا يعكس فقط خطأ تكتيكياً للجيش الإسرائيلي، بل يعكس تشويهاً استراتيجياً. إسرائيل، مثل الولايات المتحدة في السياق الإيراني، تتوق لتسوية مع حماس. ومثل الأمريكيين، عندنا أيضاً هذه أمنية، تختبئ خلفها قراءة عليلة لحماس برئاسة يحيى السنوار، تصدح بالفشل الإسرائيلي في فهم "فتح" – منظمة التحرير الفلسطينية-ياسر عرفات. في 1991 تبنت إسرائيل مفهوم "التسوية السياسية". الفرضية، التي تبينت مغلوطة، كانت تفيد بأن تبنّي مفهوم "الأرض مقابل السلام" سيذيب الكفاحية الفلسطينية.
وجسد انهيار "مسيرة أوسلو" في أعقاب الانتفاضة الثانية بعد أن رفض عرفات العرض الإسرائيلي السخي لاتفاق دائم وأعطى إسناداً للعنف تجاهها، جسد حقيقة أن الحركة الوطنية الفلسطينية لم تر النزاع بتعابير كلاسيكية لتسوية سياسية تقوم على أساس الحل الوسط الإقليمي، بل كمعركة بعيدة المدى نهايتها هزيمة الصهيونية.
بعد نحو 30 سنة من انهيار المسيرة السياسية، وإسرائيل مصرة على تكرار الخطأ الفكري إياه، ولكن هذه المرة بالنسبة لحركة المقاومة الإسلامية في قطاع غزة – حماس. هذه المرة ورث مكان فكرة التسوية السياسية فكرة التسوية الاقتصادية – السيدة إياها مع تغيير التمشيطة – والتي تقوم على أساس استبدال فكرة الأمن مقابل الأرض بفكرة الأمن مقابل الاقتصاد وتحرير جزئي "للحصار" على القطاع. لقد أصبحت هذه الفكرة في السنوات الأخيرة حجر الزاوية في سياسة إسرائيل تجاه قطاع غزة. فقد انخرطت ضمن عدم اهتمام إسرائيل بمعركة عسكرية في القطاع. وكان التمسك بها شديداً لدرجة أن إسرائيل مالت لأن ترى بعماها استمرار إرهاب حماس كفعل "مارق" لا يمثل الخط الرسمي للمنظمة، أو كتعبير عن مخاض الولادة الذي يرافق مسيرة دخول الحركة إلى "تسوية" بعيدة المدى (هدنة). "تسوية" تنطوي في داخلها على استعداد للجم مطلق وكامل لأعمال الإرهاب.
المواجهة الأخيرة مع حماس في أيار لم تؤد هي الأخرى إلى تغيير في زاوية النظر الإسرائيلية. العكس هو الصحيح؛ فقد أكدت الفرضية بأنه نضجاً للتسوية نشأ في أعقاب القتال، دون الاستيعاب بأنه مثل فتح – م.ت.ف عرفات، التي لم تكن مستعدة لإنهاء النزاع مع إسرائيل باسم مبدأ خلود النزاع، ودمجت الحوار مع العنف. تنظر حماس إلى استراتيجيتها بتعابير الواقع الذي يدمج المفاوضات مع الإرهاب. هذه استراتيجية هذا وذاك (تسوية ومقاومة في الوقت نفسه) التي تميز إيران (مفاوضات مع الولايات المتحدة ونووي في الوقت نفسه)، وهي تتناقض مع الاستراتيجية الإسرائيلية التي تقوم على أساس نموذج إما أو (إما المواجهة أو التسوية).
إن الدرس الذي يعلمه لنا التاريخ لا يكمن فقط بأن لا فرق جوهرياً بين فتح م.ت.ف العلمانية وحماس الإسلامية، أو في فهم بأن إسرائيل تميل إلى تكرار أخطائها بأنها تطبق أنماط تفكير غربية على خصومها، بل أيضاً في أن التضحية السياسية ليست قدراً. بعد وهم التسوية السياسية، يمكن الصحوة أيضاً من فكرة التسوية الاقتصادية، أو على الأقل استيعاب أنها لا تحمل في داخلها وعداً بواقع من الهدوء الأمني.
المصدر: إسرائيل اليوم
الكاتب: دورون مصا