تفجيران في كابول، كانا كفيلين بزيادة رصيد الهزائم الأمريكية في هذا البلد، وتوضيح خلفيات انسحابها وتداعياته. فأمريكا التي غزت هذا البلد منذ 20 عاماً، بحجة إنهاء حكم حركة طالبان والقضاء على تنظيم القاعدة، ها هي ترحل وقد سلمت الحكم والسيطرة الميدانية لطالبان، بالتزامن مع تعرضها لأقسى هجوم دموي منذ 6 آب 2011، وأول قتلى عسكريين منذ شباط 2020.
فبالأمس الخميس، قُتل ما لا يقل عن 72 أفغاني (28 من حركة طالبان) و13 جندي من قوات المارينز الأمريكية، إضافة للعديد من الجرحى، بعدما استهدف انتحاريان ومسلح، أحد المداخل الرئيسية لمطار كابول الدولي.
وقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان مسؤوليته عن هذه الهجمات، حيث أعلنت وكالة أعماق للأنباء التابعة له عبر قناتها على تلغرام، بأن أحد عناصر التنظيم الذي يدعى "عبد الرحمن اللوغاري" هو الذي نفذ "العملية الاستشهادية" قرب مطار كابول.
الإدارة الأمريكية: استكمال الانسحاب والتعهد بالانتقام
وفور وقوع الحادث، توجهت الأنظار نحو ما يمكن للإدارة الأمريكية أن تتخذه من قرارات، قد تؤثر على عملية الانسحاب. لكن المفاجئ أن كلمة الرئيس الأمريكي "جوزيف بايدن" تضمنت إعلانه أن لدى بلاده مصالح مشتركة مع حركة طالبان، نافيا وجود معلومات من الميدان عن تواطؤ للحركة مع تنظيم الدولة في ولاية خراسان. كما تضمنت التعهد بـ"إتمام المهمة"، واستكمال عملية إخراج كل الأمريكيين والأفغان المتعاونين معهم، قبل انتهاء تاريخ الانسحاب في 31 من اب الجاري. كما كان لافتاً تعهد بايدن بالرد بقوة على داعش خرسان، والذي سيكون أمرا أكثر صعوبة لعدم وجود قوات أمريكية على الأرض الأفغانية، أو في أي مكان قريب منها. ما يدل على أن واشنطن قد تعود مجدداً، الى سياسة الاغتيال بالطائرات بدون طيار.
من جهة أخرى، أعلن قائد القيادة المركزية الجنرال "فرانك ماكينزي" بأن قواته المتواجدة في كابول، تستعد لمزيد من هجمات تنظيم الدولة الإسلامية أثناء إنهاء مهمة الإجلاء. كاشفاً أنهم لا يقتنعوا بوجود صلة لطالبان بالحادث، بل أنهم تشاركوا مع الحركة العديد من المعطيات الاستخباراتية.
هذا وقد أدانت حركة طالبان الحادث، معتبرة أن المسؤولية تقع على القوات الأجنبية، لأنه سبق للحركة أن حذرت سابقاً من إمكانية وقوع هكذا هجمات.
أبعاد هذا الحادث
لقد أكد هذا الحادث على العديد من المواقف والمعلومات، التي ذكرت سابقاً حول هذا الانسحاب:
1)أمريكا تستعجل الانسحاب والخروج بأسرع وقت من هذا البلد، الذي أهدرت فيه ما يزيد على تريليون دولار، ولم تستطع تحقيق أي هدف فيه. فلذلك لن يثنيها أي حادث مهما كان دموياً عن استكمال ما بدأته.
2)كذب الإدارة الأمريكية التي ادعت بأن سيطرة طالبان التي بدأت منذ أيار الماضي، كانت مفاجئة لها وغير متوقعة، عكس ما تم الكشف عنه بالأمس، بأن هذه السيطرة تندرج ضمن بنود اتفاق الانسحاب، بحيث يوجد تنسيق بين الطرفين، على توزيع التواجد والمسؤوليات داخل المطار وخارجه.
3)ان طالبان لا تريد وجود تنظيم داعش في أفغانستان، لأنها ستكون المتضرر الوحيد من ذلك، إن لم تستطع إنهاء وجود هذا التنظيم بأسرع وقت، بحيث سيعرقل ذلك ما تصبو اليه من حكم داخلي سلمي وعلاقات خارجية ندية، لأنها ستظهر بشكل العاجز عن تأمين الاستقرار لهذا البلد.
4)أن أمريكا سهلت خروج هذا التنظيم (خراسان) من سوريا، بهدف زرع عوامل الفوضى في هذا البلد وفي هذه المنطقة.
5) كان لوقوع هذا الانفجار تداعياته على الداخل الأمريكي، بحيث علت بعض الأصوات (خصوصاً الجمهوريين) بالدعوة لاستقالة "بايدن"، وتحميله كل تداعيات الانسحاب مع افغانستان، ما يؤكد أن امريكا ما زالت تعاني من انقسام داخلي كبير، سيكون له آثاره الكبرى مستقبلاً.
الكاتب: غرفة التحرير