أعلنت حركة طالبان في تشرين الثاني/ يناير استهداف معاقل لتنظيم داعش الارهابي، ما أدى إلى مقتل 8 أشخاص، واعتقال 7 آخرين، "كان لهم دور رئيسي في الهجوم على الفندق (الذي يرتاده) الصينيون ومهدوا الطريق لأعضاء أجانب في تنظيم داعش ولاية خراسان للقدوم إلى أفغانستان". وعلى الرغم من ان عمليات التنظيم قد شهدت انخفاضاً ملحوظاً، كان من اللافت تصريح قائد القيادة الأميركية المركزية، سنتكوم، حول قدرة التنظيم على القيام بعمليات خارج حدود افغانستان، خلال 6 أشهر، بما يضر بالمصالح الغربية في المنطقة. وهذا ما يطرح علامات استفهام مريبة حول توقيت هذه التصريحات، وخلفياتها التي تشي بأجندة أميركية جديدة بدأ التحضير لها.
في حديثه أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، يوم 16 آذار/ مايو الجاري، تحدث الجنرال مايكل كوريلا، ان تنظيم داعش قادر على القيام "بعملية خارجية ضد المصالح الأميركية أو الغربية في الخارج في أقل من ستة أشهر دون سابق إنذار". وحدد كوريلا لاحقاً، ان "المجموعة المعروفة باسم داعش خراسان، يمكن أن تشن هجمات في آسيا أو في أوروبا".
ركز منتقدو قرار بايدن بالانسحاب من أفغانستان، على تأكيدات البيت الأبيض المستمرة أنه بالامكان شن هجمات ضد التهديدات الإرهابية من أفغانستان على الرغم من عدم استمرار وجود القوات على الأرض. في حين تزعم قيادة العمليات، انها لم تنفذ إلا ضربة واحدة منذ الانسحاب. فيما فاجأ كوريلا اللجنة بعمليتين اضافيتين قال انها شملت عدة مقار عسكرية أمريكية عالمية أشار إلى إنها عطلت العمليات الإرهابية في أفغانستان...سيقدم مزيدًا من التفاصيل في جلسة سرية مغلقة بعد جلسة الاستماع المفتوحة للجنة.
تخيّم حالة عدم اليقين على حجم قوة التنظيم في خراسان، بسبب وجود خلافات كبيرة في الرأي حول عديده. وبينما توقعت روسيا أن عدد مقاتلي داعش في خراسان يبلغ حوالي 6500، رفضت طالبان هذا التقدير، وقدرت لجنة المراقبة التابعة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذا العدد بما يتراوح بين 1000 و 3000 عنصر.
منذ تشكيل حكومة طالبان، كان لهجمات التنظيم موجتان. كانت إحدى الموجات في خريف عام 2021 وكانت الموجة الثانية في ربيع عام2022 . لكن منذ شهر تموز/يوليو 2022 فصاعدًا، نشهد انخفاضًا ملحوظًا في هجمات التنظيم، حتى أن هذه المجموعة لم تنجح حتى في تنفيذ هجوم في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر2022. في الأشهر الستة الأخيرة من العام الجاري، نفذ التنظيم في خراسان 25 عملية في أفغانستان، بينما نفذت هذه المجموعة 29 عملية في شهر حزيران / يونيو 2022 فقط. يُظهر فحص هذه الإحصائيات انخفاض القدرة العملياتية لداعش.
وعلى ما يبدو أن حكومة طالبان، بالتعاون مع دول المنطقة وبعض الإجراءات الداخلية، نجحت في قمع جزئي للتنظيم في خراسان. وبالتالي، يبرز التناقض بين تقييم المخابرات الأمريكية لقوة داعش مع هجمات هذه المجموعة في أفغانستان.ما يطرح احتمالية برغبة واشنطن وضع التعاون مع طالبان بشأن داعش على جدول الأعمال لسد الطريق أمام التعاون الإقليمي.
هذا الارتياب في المقاربة الأميركية لوضع وحضور تنظيم داعش الارهابي في افغانستان، يطرح عدداً من الأسئلة التي تتعلق بجدوى العمليات التي قامت بها واشنطن خلال عقود من الزمن في تلك المنطقة، إضافة إلى نظرتها حيال طالبان، التي لا تزال إلى حد الآن تعدها من التنظيمات "الارهابية". بالمقابل، فإن المتغيرات الأخيرة التي شهدتها الساحة الدولية فرضت على واشنطن اعادة توزيع اولوياتها واهتماماتها، دون ان تغادر مسرح عملياتها في المنطقة، تلك التي استوطنتها بذارئع مختلفة، ولم تغادر بعض الدول فيها، إلا بعدما تركت فيها ما يضمن أسباب عودتها، وافغانستان نموذجاً.
الكاتب: غرفة التحرير