تعمل الإدارة الأميركية على تطبيق سياسة الفوضى الخلاقة، والتي تعد طريقة تفكير العقل الاستراتيجي الأمريكي في سياسته الخارجية والتعامل مع القضايا الدولية، هذه الفوضى هي خلاقة بالنسبة لمصالح أمريكا والغرب، ومدمرة بالنسبة لبلدان العالم الثالث، والبلاد الرافضة للهيمنة الأمريكية. وتقوم هذه النظرية في المجتمعات من خلال العداء للدولة، بكافة أشكالها، والعمل على تسويق فرضية انعدام السلطة، أي الاعتراض على الدولة والحكومة، كذلك تقوم على العداء للقيادة، أيا كانت، كذلك العداء لكل الأحزاب، وهي تقوم على الأفكار التي تعمل على خلق فكرة المجتمع الفوضوي.
ويمكن استقراء ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس حول سياسة التغيير نحو الديمقراطية في منطقة غرب آسيا في 11 شباط 2005 بأنه يعكس ما يعرف بنظرية الفوضى، ومن ثم نظرّت لفكرة الشرق الأوسط الكبير او الشرق الأوسط الجديد، وحاولت واشنطن تحقيق هذا المشروع من خلال حرب تموز 2006 للقضاء على المقاومة في لبنان إلا أنها فشلت، وهي مذاك ما برحت تعمل على ضرب هذه المقاومة.
ومن المعروف أن أميركا التي تعمل وفق عقيدة الصدمة، توصل الازمات بالبلاد المستهدفة الى حد الاختناق، عندها يطلب الناس الخلاص، فتظهر نفسها المنقذ، وترشح اقتصاديين مختصين يتبعون لها، يقومون بخصخصة كل شيء وبيعه لها ولحلفاءها بغطاء شركات داخلية، ومن ثم تستخدم البنك وصندوق النقد الدوليين ووكالات الامم المتحدة لفرض وصايتها عبرهم بحجة المساعدة، وهذا ما يحصل تباعاً في لبنان.
تحاول واشنطن التمظهر بمظهر محاربة الفساد، عبر رفض وصول السياسيين ولو من حلفائها السابقين إلى السلطة، ومن ثم الإظهار أن تعمل على التخلص من الطبقة الحالية والإتيان بطبقة جديدة إلى الحكم على أساس أنها لم تشارك في السلطة ولم تتورط بالفساد، لكنها عملياً تتبع لواشنطن وتتلقى الدعم منها وتأتمر بأوامرها، كما أن موظفين كبار في لبنان يأتمرون بأمر السفيرة الأميركية، ومنهم رياض سلامة حاكم مصرف لبنان الذي نفذ كل اللعبة المالية الأميركية في البلد، حتى أن الحكومة السابقة التي بدأت بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي كانت بشكل أو بأخر ترضي الأميركيين، كما أن أي حكومة أخرى سوف تنحو المنحى نفسه.
كما بات معلوماً، فإنه على إثر عقوباتها الاقتصادية، ووصول البلاد إلى حالة حصار وفقر مدقع، تبدأ واشنطن التلويح بالحلول لكن تحت مظلة تحقيق أهدافها، التي هي اليوم في لبنان الانفكاك عن المقاومة ومهادنة "إسرائيل"، ولكن حتى حلولها فيها المرارة والخضوع لهيمنتها، حيث ستذهب أي حكومة إلى استخدام صندوق النقد الدولي، الذي يعدّ سيفاً أميركياً ــــ غربياً مُصْلَتاً على رقاب الشعوب والبلدان، سوف يتسلّط بشكل أو بآخر على الدولة اللبنانية، وينطلق ذلك من اعتبار أنّ الدول التي تواجه تخلّفاً في سداد الدين العام، وصعوبات مالية ومصرفية واقتصادية، وتجد نفسها عاجزة عن الخروج منها، تلجأ إلى صندوق النقد الدولي لحلّ أزماتها.
وهنا نشير إلى أن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي لن يكون الحل السحري للبنان، بل قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة، والانتقال إلى أزمات أعمق اقتصادياً واجتماعياً، مثل توقف عجلة النمو وزيادة نسب البطالة التي تفوق حالياً 40%، ولا سيما أنّ هناك مؤشرات سلبية في هذا الإطار، فضلاً عن إمكانية إزدياد حالة الفقر المدقع، حيث يصل عدد اللبنانيين والمقيمين الذين يرضخون تحت خط الفقر إلى أكثر من مليون شخص. كذلك، فإن هذا اللجوء يعني ارتهان لبنان وسيادته لهذا الصندوق، الذي لا ينفك عن السياسات الأميركية للهيمنة على الدول، وهكذا تعمل واشنطن عبر الحصار الاقتصادي تارةً، ومن خلال التلويح بالحلول الاقتصادية عبرها وعبر حلفائها تارة أخرى من أجل إيهام الدولة بأنها هي الحل، وبالتالي السيطرة والهيمنة عليها.