بعد احتلال العراق ودخوله مرحلة أمنية حساسة ومصيرية وحل الأجهزة الأمنية والإستخباراتية، تحول افراد هذه المؤسسات الى مشاريع إرهابية معدة مسبقاً، وتمكنت بعض القوى المعارضة من السيطرة والدخول في تنظيمات دينية متطرفة والإنتماء الى فصائل مسلحة غير نظامية.
وهنا بدأت مرحلتين مهمتين الاولى كانت بداية دخول تنظيم القاعدة والثانية بداية دخول تنظيم داعش. وكلا التنظيمين كانت نواته الفعلية من جزئين اساسيين اولهما بقايا النظام السابق الذين يمتلكون الخبرة الأمنية والعسكرية الكبيرة وثانيهما الحواضن السنية.
رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، وجّه بالأمس قوات بلاده لتأمين مناطق قضاء الطارمية من تواجد مسلحي تنظيم "داعش" وملاحقة الخلايا الإرهابية.
وكانت قد بدأت منذ فترة دعوات من الأطراف السنية تنادي بانسحاب الحشد الشعبي من هذه المناطق تزامناً مع قرب الانتخابات العراقية. مما طرح علامات استفهام رغم ما تشكله هذه المناطق من بؤر للإرهابيين.
جرف الصخر والطارمية وأبعادهما الحيوية
الطارمية وهي المدينة الواقعة شمال بغداد، وتربطه بالمدن الشمالية من صلاح الدين والموصل وأربيل، يقطنها غالبية من المكون السني، والتي كانت تنتشر فيها الحركة السلفية، وهي بيئة خصبة لانتشار الفكر الإرهابي التكفيري، والتي كانت ولازالت منابع لدعم كل حركات الإرهاب الداعشي. وكانت الحركات الإرهابية تتخذ منها ملاذاً آمناً، وتنطلق منها عملياتها الإرهابية ضد المدنيين والقوات الأمنية، وفي كل مرة تسقط هذه المنطقة في يد المجاميع الإرهابية تتحرك القوات الأمنية لا سيما فصائل المقاومة والحشد الشعبي لتدخل معارك تطهير تقدم فيها التضحيات والوقت والخسائر الكبيرة بسبب البيئة الصعبة لهذه المدينة. وحتى عندما نذهب الى تحليل أغلب العمليات الإرهابية والإنتحارية في حزام بغداد، نجدها قد انطلقت من هذه المنطقة.
ولهذه المنطقة أهمية بالنسبة للتنظيمات الإرهابية، فأولها هو قربها من حزام بغداد الشمالي وسيطرتها على طريق بغداد، وثانيها، البيئة الخصبة لهذه التنظيمات، وثالثها اعتماد التنظيم على مصادر الزراعة والبحيرات لتمويل نفسه، باعتبارها مدينة ذات ثروات زراعية وبحيرات صناعية مليئة بالثروات السمكية ورابعها وهو الطبيعة الشاقة والتي تجعل طرق السيطرة عليها صعبة أمنياً مما يشكل ملاذاً آمناً للمطلوبين والخارجين عن القانون.
جرف الصخر مدينة زراعية تقع جنوب بغداد وشمال بابل، والتي كانت تعتبر بؤرة الإرهاب الأكبر في هذه المنطقة. سيطر عليها الحشد الشعبي بعد معارك طويلة كلفته العديد من التضحيات، هذه المدينة لها طبيعة استراتيجية مهمة فهي تعتبر مدخلاً يربط بين مدينة بابل وكربلاء والرمادي وهي مدينة زراعية مهمة جدا وفيها ايضاً مزارع للأسماك ومعامل مهمة، لذلك عرض التنظيم نفسه في الدفاع عنها ولا زال يشن هجمات في محاولة منه الى استعادتها، الا أن الحشد الشعبي تمركز فيها وأقام معسكرات ثابتة ووحدات دائمة، وكانت الاصوات الحكومية من النواب السنة دائماً ما تطلب من الحشد الشعبي الإنسحاب منها او تسليمها لأي جهة اخرى لكن الحشد كان يرفض، لأنه يدرك ان السياسيين في حال نشوء اي خلاف بينهم فإنهم يصعّدون ويضغطون في سبيل الحصول على مكاسب من خلال الفلتان والفوضى بهذه المناطق، وان الاصوات التي تتعالى لعودة وتسليم هذه المناطق هي نفسها الاصوات التي كانت تتوعد بسقوط بغداد، وهي نفسها التي كانت تهدد الأمن والسلم الأهلي.
لذلك أدركت القيادة العامة للحشد الشعبي وفصائل المقاومة أن الطارمية وجرف الصخر هما خنجر بخاصرة بغداد وشريان للإرهاب يجب قطعه، وأن تسليم المدن معناه عودة الإرهاب في حال اي تدهور في العملية السياسية.
الكاتب: غرفة التحرير