تزداد العلاقة الأمريكية-السعودية تعقيداً يومًا بعد يوم، وذلك بالنظر إلى الدور الذي يلعبه رجل النظام، ولي العهد محمد بن سلمان. فالرجل الذي جمع بين يديه من قوة وثروة وسلطة ما لم يستطع أي ملك او ولي عهد في تاريخ المملكة أن يحصل عليه، ارتبط اسمه في الآونة الأخيرة بأبشع وأخطر الانتهاكات داخل وخارج الأراضي السعودية.
اليوم يسعى بن سلمان للعودة إلى تحسين صورته في منطقة الشرق الأوسط ليعيد للملكة عهدها السابق. وفي هذا الإطار كتب الباحث في معهد دراسات الأمن القومي يوآل غوزنسكي في صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" مقالًا تحت عنوان "عودة السعودية"، تحدث فيه عن الجرائم التي ارتكبها بن سلمان منذ توليه إدارة المملكة بدءًا بجرائمه في اليمن، مرورًا بالحصار الذي فرضه على قطر وصولًا إلى الجريمة الكبرى والمرتبطة باسم محمد بن سلمان "قتل الخاشقجي".
ويوضح الباحث أن أولى هذه الإصلاحات كانت بالعودة إلى الاتفاق والمصالحة مع قطر بالإضافة إلى طرحه لاقتراح وقف إطلاق النار في اليمن، كما بدأ بالاتصال مع الإيرانيين للتفاوض.
النص المترجم:
تعود السعودية إلى تبنّي العناصر التي ميزت سياستها الخارجية قبل تولّي ولي العهد محمد بن سلمان منصبه.
في الماضي تهربت المملكة من المواجهة المباشرة مع خصومها، وشددت على الدبلوماسية كوسيلة مركزية في صندوق أدواتها الوطنية.
لكن منذ سنة 2015 تميزت السياسة الخارجية السعودية باستراتيجيا غير مهنية وفشلت في الدفع قدماً بأهدافها في المنطقة، حتى لو لاقت هذه الأهداف استحساناً في نظر ترامب ونتنياهو. فقد بدأت بفرض الحصار على جارتها في الشرق قطر، وبالحرب على جارتها الجنوبية اليمن.
المصاعب التي واجهها محمد بن سلمان على الساحتين الداخلية والإقليمية دفعت كثيرين في إسرائيل وفي الغرب إلى التخفيف من حماستهم إزاء ملك المستقبل وتركيز اهتمامهم على الحاكم الأكثر خبرة في الإمارات محمد بن زايد.
دخول الرئيس الأميركي الجديد إلى البيت الأبيض، والذي يجري مفاوضات مع إيران وينتقد المملكة بشدة، دفع إلى تغيير مرحّب به في الاستراتيجيا السعودية (من وجهة نظر سعودية) ومقاربة دينامية وبداية حملة دبلوماسية لم نشهد مثلها من قبل.
ضمن هذا الإطار عمل بن سلمان على توقيع اتفاق مصالحة مع قطر واقترح على الحوثيين اتفاقاً سخياً لوقف إطلاق النار، واحتضن رئيس الحكومة العراقية، وبدأ شهرَ عسلٍ جديداً مع عُمان، وعملية جس نبض مع الرئيس السوري بشار الأسد، كما بدأ الاتصالات بإيران. وكان هدفه التقليل من التوترات والحد من الأضرار وترسيخ نفوذه بصورة تسمح له بتسجيل نقاط في البيت الأبيض.
بن سلمان كعادته يطلق النار في كل الاتجاهات، لكن هذه المرة ليس من البندقية بل يستخدم قدراته الاقتصادية الضخمة في الشرق الأوسط ومكانته كخادم للأماكن المقدسة الإسلامية ليعيد المملكة إلى مكانها الطبيعي ويكون أكثر استعداداً لانتقال العرش إليه من والده.
لم تؤتِ كل الخطوات الإقليمية ثمارها، لكنها كانت ضرورية لمواجهة السيناريو المرتقب في نظره: ابتعاد الولايات المتحدة عن المنطقة وتعاظُم قوة إيران نتيجة توقيعها المرتقب للاتفاق النووي. نأمل بأن بن سلمان بات يدرك اليوم حدود قوة المملكة. وعلى الرغم من شراء المملكة المكثف للسلاح على مدى أعوام، فإنها لا تملك قدرة دفاعية كافية ناهيك بالقوة الهجومية.
يدل الكلام الصادر عن بن سلمان في نيسان/أبريل الماضي على التغيير في سياسته، على الأقل علناً فيما يتعلق بإيران حين قال: "إيران جارة لنا. ونأمل بأن تكون علاقاتنا بها جيدة. ونحن نرغب في الازدهار والنمو"... هذا الكلام يتعارض مع كلام سابق له قارن فيه المرشد الأعلى في إيران بهتلر ولمّح إلى اهتمام السعودية بالتصدي لإيران.
الضعف السعودي في مواجهة إيران والتساؤلات المتزايدة بشأن الاستعداد الأميركي للوقوف إلى جانب المملكة هما اللذان يفرضان الاستراتيجيا السعودية الحالية أكثر من أي شيء آخر.
ثمة شك كبير في نجاح السعودية في إزالة تهديدات مركزية تواجهها وتحسين مكانتها في الداخل والخارج من دون أن تبدو متساهلة.
علاوة على ذلك، خطوات بن سلمان لا تتطابق كلها مع المصلحة الإسرائيلية. ولا سيما عندما يكون المقصود التوصل إلى تفاهمات مع إيران. ومن بين التداعيات هناك المسّ بالجبهة الإقليمية في مواجهة إيران، والتي طورتها إسرائيل وتشكل السعودية مدماكاً مركزياً فيها.
المصدر: صحيفة تايمز أوف إسرائيل
الكاتب: يوآل غوزنسكي