يستعرض هذا المقال، الذي نشره موقع "كالكاليست" الاقتصادي الإسرائيلي وترجمه موقع الخنادق الالكتروني، التراجع الكبير الذي أصاب الاقتصاد في الكيان المؤقت، خاصة بعد العدوان الإسرائيلي الأمريكي على إيران. وبيّن المقال أيضاً بأن الإسرائيليين لا يزالوا يعتمدوا بدرجة كبيرة على الخارج، إذ تشكّل الواردات الى فلسطين المحتلة نحو 21% من مجمل العرض المحلي. مستنتجاً بأن على حكومة نتنياهو ألا تنسى أن هشاشة الاقتصاد الإسرائيلي إزاء المقاطعات أو إلغاء اتفاقات التجارة – بما في ذلك مع أوروبا – ما تزال عالية جدًا.
النص المترجم:
تكشف بيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية للربع الثاني من هذا العام عن تراجع بنسبة 3.5% في الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي للقطاع التجاري بنسبة 7%، وتراجع الاستهلاك الخاص للفرد بأكثر من 5%، وانهيار الاستثمارات في البناء. ورغم أنّ الاقتصاد ليس في حالة ركود رسمي، إلا أنّه يغرق في نمو شبه صفري.
أعادت الحرب مع إيران الاقتصاد الإسرائيلي سنة إلى الوراء وأصبحت السبب المركزي في النمو السلبي المسجَّل في الربع الثاني من عام 2025، كما كان متوقعًا. فبحسب بيانات دائرة الإحصاء التي نُشرت أمس، سجّل الناتج المحلي الإجمالي تراجعًا حقيقيًا – لا تباطؤًا فحسب – بنسبة 3.5% بحساب سنوي (مصحح موسميًا) مقارنة بالربع السابق، وبنحو 1% بحساب ربع سنوي مبسط. وبما أنّ عدد سكان إسرائيل ينمو بمعدل يقارب 2% سنويًا، فإن الناتج للفرد انهار بنحو 4.4% سنويًا (1.1% بحساب ربع سنوي مبسط). ونتيجة للحرب مع إيران عاد الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الربع الثاني إلى المستويات التي سُجّلت قبل عام بالضبط، أي في الربع الثاني من 2024.
1)والأهم من ذلك: إنّ ناتج القطاع التجاري، وهو المحرّك المركزي للنشاط الاقتصادي، هبط بنسبة 7% تقريبًا – أي ما يقارب ضعف نسبة التراجع في النمو العام. ومع ذلك يجب التأكيد أنّه مقارنة بالربع الثاني من 2024 سجّل الاقتصاد نموًا طفيفًا (1.6% سنويًا أو 0.5% بحساب مبسط). حتى الناتج التجاري حقق ارتفاعًا طفيفًا بنحو 1% بحساب سنوي مقارنة بالفترة المماثلة من 2024. أي أن التراجع الحالي مرتبط بالربع السابق (الأول من 2025) الذي شهد نشاطًا "اعتياديًا".
في المقابل، فإن حدّة التراجع في الناتج مقلقة. ففي مطلع الشهر، نشر بنك "جي. بي. مورغان" – أكبر بنك في العالم – توقعًا فصليًا للاقتصاد الإسرائيلي، جاء فيه أن الاقتصاد انكمش في الربع الثاني بنسبة 0.5% فقط (مصحح موسميًا، بحساب سنوي). لكن الأرقام الفعلية – التي ستُحدَّث مرتين إضافيتين في الشهرين المقبلين – أظهرت تراجعًا مضاعفًا تقريبًا. وبناءً على هذا، من المرجح أن يخفض البنك توقعاته لاحقًا إذا لم تتغير بيانات دائرة الإحصاء بشكل كبير. علماً أنّ "جي. بي. مورغان" قدّر نمو الاقتصاد الإسرائيلي لعام 2025 كله عند 2.6% فقط – وهو رقم منخفض جدًا.
آخر مرة انكمش فيها الاقتصاد كانت في الربع الأخير من 2023، أيضًا بسبب مواجهة عسكرية عنيفة، وإخفاق حكومة نتنياهو في 7 تشرين الأول / أكتوبر، والحرب التي اندلعت على إثرها. وإذا نظرنا إلى النصف الأول من 2025 (ربع أول بلا حرب وربع ثانٍ بحرب استمرت أسبوعين) نجد نموًا ضعيفًا جدًا لا يتجاوز 1% سنويًا (0.5% مبسط) – أي شبه غياب للنمو.
2)الركود يُعرَّف بأنه تسجيل نمو سلبي في ربعين متتاليين (إجمالي الناتج، لا للفرد)، وهذا ليس متوقعًا. إذ تشير البيانات الأولية للربع الثالث إلى تعافٍ من الانكماش في الربع الثاني، وبالتالي لن يُسجَّل ركود بالمعنى الرسمي، بل نمو منخفض جدًا ينعكس في توقعات 2025 ككل، حيث يُتوقع أن ينمو الاقتصاد بأقل من 3% – وهو نمو ضعيف. الاستنتاج واضح: الاقتصاد ليس في حالة ركود ولا ينهار، لكنه ينمو ببطء شديد، وكلما طال أمد الحرب تراجع النمو أكثر، ما سيؤخر عملية التعافي المنتظرة ويُبقي مستوى المعيشة الإسرائيلي جامدًا.
عند النظر إلى الاستخدامات (الطلب) يتضح أنّ كل البنود تراجعت: الاستهلاك الخاص (المحرّك المركزي للاقتصاد)، الاستثمارات (انهيار فعلي)، الإنفاق العام (تراجع طفيف)، والصادرات.
3)سُجّلت ضربة قاسية في الاستهلاك الخاص للفرد، أي مستوى معيشة المواطن، إذ تراجع بنسبة 5.1% سنويًا مقارنة بالربع الأول من 2025. وانخفض كل من الاستهلاك الجاري للفرد (غذاء، مشروبات وتبغ، خدمات شخصية، سكن، وقود…) وكذلك الإنفاق على السلع المعمرة للفرد (سيارات، أجهزة كهربائية…) بمعدل سنوي يقارب 10%. وذلك رغم أن الإنفاق على السيارات الخاصة قفز بنحو 70% سنويًا (14% ربع سنوي).
بالمقارنة مع استهلاك السلع المعمرة، سُجّل انخفاض بنحو 7% بعد انخفاض سابق بنسبة 1% – أي ربعين متتاليين من التراجع. وهذا مؤشّر أدق لمستوى المعيشة لأن استهلاك السلع المعمرة أقل تأثرًا بتغيرات مؤقتة في الدخل، بل يعكس مباشرة دورة الأعمال.
لكن الانهيار الأبرز كان في استهلاك السلع شبه المعمرة للفرد (ملابس وأحذية، منسوجات منزلية، أدوات صغيرة، أجهزة كهربائية منزلية، سلع ترفيهية وشخصية) حيث هبط بنسبة 35% (10.5% ربع سنوي). أما استهلاك الحكومة (العام) فقد تراجع قليلًا (1% سنويًا) مقارنة بالربع السابق، بفعل انخفاض الإنفاق المدني أكثر من العسكري. ومع ذلك، هذه الاتجاهات لم تستمر في الربع الثالث، إذ ما تزال الحرب قائمة، ووزارة المالية وافقت على زيادة بنحو 42 مليار شيكل لميزانية الدفاع (من دون احتلال غزة)، فيما بلغ معدل نمو الإنفاق أكثر من 3% حتى يوليو الماضي.
4)في مجال الاستثمارات – التي تراجعت بنحو 12% سنويًا – يظهر تباين: فقد انهارت الاستثمارات في البناء (السكني هبط 18% وغير السكني 25%)، ما يعكس أزمة البناء الجديد ونقص الأيدي العاملة. لكن الاستثمارات في باقي القطاعات ارتفعت: استثمارات شركات التأجير في المركبات قفزت 220% (34% ربع سنوي)، واستثمارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ارتفعت 20% (5% ربع سنوي).
أما على صعيد الصادرات – محرّك آخر للاقتصاد – فلم تكن الصورة جيدة في الربع الثاني 2025: إذ تراجعت بنسبة 7%، لكن بعد استبعاد الألماس وشركات التكنولوجيا الناشئة يتضح أن التراجع الفعلي لا يتجاوز 3.5% سنويًا. وبالمقارنة مع الفترة نفسها من 2024، ما زالت الصادرات تسجّل نموًا، ما يعني أنها ما تزال تؤدي دورًا مهمًا – خصوصًا صادرات السلاح (سلع) والتكنولوجيا الفائقة (خدمات).
ومن المثير للاهتمام ما يحدث في جانب العرض – أي الناتج الذي يُنتج داخل إسرائيل مضافًا إليه الواردات. فرغم انهيار استيراد الخدمات (خصوصًا السياحة بسبب الحرب وإغلاق مطار بن غوريون)، إلا أن إجمالي الواردات ارتفع قليلًا. بل إن الفصول الثلاثة الأخيرة أظهرت نموًا مزدوج الرقم مقارنة بالفترات المماثلة العام الماضي. أي أن وزن الواردات في العرض ارتفع لأن نمو الناتج المحلي بطيء جدًا. وهذا يعني أن الإسرائيليين ما زالوا يعتمدون بدرجة كبيرة على الخارج، إذ تشكّل الواردات نحو 21% من مجمل العرض المحلي.
لذلك، لا يجوز لهذه الحكومة أن تنسى أن هشاشة الاقتصاد الإسرائيلي إزاء المقاطعات أو إلغاء اتفاقات التجارة – بما في ذلك مع أوروبا – ما تزال عالية جدًا.
الكاتب: غرفة التحرير