"في صفاء رؤيا الجماهير تكون الثورة جزءا لا ينفصم عن الخبز والماء وأكف الكدح ونبض القلب". هكذا لخّص الشهيد غسان كنفاني كينونة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وصوّب معركة الوعي الذي كان فيها قائدًا يحمل القلم بندقية ليحكي عن "الحرية التي لا مقابل لها...الحرية التي هي نفسها المقابل".
49 عامًا على استشهاد كنفاني الذي اتخذت رئيس وزراء الاحتلال غولدا مائير قرار اغتياله صباح 8 تموز عام 1972 مكلفةً بذلك الجنرال في الموساد زامير آمر بالمهمة، بعد ان صار غسان "ندًّا" فدائيًا يكتب "بالدم لفلسطين".
كان الشهيد كنفاني عضوا في المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حيث ساهم في وضع "الإستراتيجية السياسية والبيان التأسيسي للجبهة الذي نص بشكل أساسي على أهمية الكفاح المسلح والعمل الفدائي.
قبل استشهاده بعامين قامت الجبهة الشعبية باختطاف 3 طائرات وأجبرتها على الهبوط في مطار دوسن فيلد العسكري في الأردن حيث قامت باحتجاز 310 رهائن لمبادلتهم بالمناضلة ليلى خالد وبعض المعتقلين، حينها لعب كنفاني دورًا أساسيا بصفته المتحدث باسم الجبهة، حيث بقي اسمه مرتبطا بتلك العملية خاصة بشكل كبير في أذهان سلطات الاحتلال.
المثقف المشتبك
في مقابلة أجراها كنفاني مع الصحفي الأسترالي ريتشارد كارلتون في بيروت وعند سؤاله: بخصوص القتال الجاري في الأردن، هل كانت منظمتكم مشاركة في القتال؟ ماذا أنجزتم؟
رد غسان بالقول: "أمراً واحداً، هو أنه لدينا قضية نُقاتل من أجلها، وهذا كثير جداً. الشعب الفلسطيني يُفضّل الموت واقفاً على أن يخسر قضيته. ماذا أنجزنا؟ أنجزنا أننا أثبتنا بأن الملك على خطأ، أنجزنا إثباتناً بأن هذا الشعب سيستمر بالقتال حتى النصر، وبأن هذا الشعب لن يُهزَم أبداً، أنجزنا أن قلنا لكل شخص في هذا العالم إننا شعب صغير وشُجاع وسيُقاتل حتى آخر قطرة دم كي نجلب العدالة لنا بعدما فشل العالم بذلك. هذا ما أنجزناه".
-لم لا تدخل منظمتكم تحديدا في محادثات سلام مع "الإسرائيليين"؟
-انت لا تقصد تحديدًا محادثات سلام، بل تقصد استسلامًا. هذا نوع المحادثة بين السيف والرقبة.
كان كنفاني هذا "المثقف المشتبك" يدرك جيدا حجم المهمة الملقاة على عاتق "الكلمة الحرة" والأدب والثقافة في الوقت نفسه التي كانت فيه البندقية الفلسطينية "فتيّة" تحتاج إلى أكتاف رجال "صادقة الموقف": "عملي الثقافي والصحفي في هذه القضية ليس سوى تعويضًا صفيق وتافه لغياب السلاح وينحدر أمام شروق الرجال الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل شيء أحترمه...متعب هو العمل من أجل تخليد الأفكار! وأي أفكار تلك التي أريد تخليدها؟ تسقط الأجساد لا الفكرة".
أبرز محطات غسان كنفاني
ولد غسان كنفاني في 9 نيسان 1936 في مدينة عكا، لأب محام، مع اتمامه الـ12 عاما شهد النكبة الفلسطينية حيث انتقل على إثرها إلى المخيمات في لبنان سيرا على الأقدام لينتقل بعدها إلى دمشق.
تعلم الإنجليزية واتقنها مع التحاقه بمدرسة الفرير في يافا ليتجه بعدها نحو الآداب مع نيله إجازة في اللغة العربية حيث كانت رسالته بعنوان "العرق والدين في الأدب الصهيوني".
عمل كنفاني موزعا للصحف في بادئ الأمر ثم انتقل للتدريس في وكالة "غوث" في دمشق ليسافر بعدها إلى الكويت عام 1955.
بعد عام عاد كنفاني إلى بيروت حيث وجد مكانا لأرائه الثورية بين المناضلين والمفكرين وبيئة خصبة تمكنه من بناء صرحه الأدبي المقاوم الذي بات اليوم مدرسة للصحفيين والمبدعين في مجال الفن والمسرح، حيث شكل حالة فريدة في تعميم القضية الفلسطينية على كل أوساط المجتمع العربي والعالمي، وتحريرها من فكرة "الصراع المسلح" بين جيشين.
ترك الشهيد كنفاني إرثا من المؤلفات التي ترجم عدد منها إلى لغات أجنبية: من قتل ليلى حايك 1969، رجال في الشمس 1963، ما تبقى لكم 1966، الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال الذي " نظّر فيه للتكامل بين المقاومة المسلحة والمقاومة الأدبية" وعائد إلى حيفا عام 1970.
كنفاني هذ الشهيد الأديب ابن الـ38 جرأة كان لديه من الأقلام التي تصلح أن تكون بنادق لا زالت إلى اليوم تؤكد ان غسان نهجا بحد ذاته وهو القائل: "إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية، فالأجدر بنا أن نغير المدافعين، لا أن نغير القضية... لدينا قضية نقاتل من أجلها، وهذا كثير.. وكي تتحرر فلسطين ويحصل أبناؤها على الكرامة والعدالة والاحترام والحقوق الإنسانية، يصبح القتال أساسيا، كما الحياة ذاتها".
الكاتب: غرفة التحرير