منذ وصول جو بايدن إلى سدة الرئاسة الأميركية، وصولاً إلى انتخاب آية الله رئيسي رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، تشهد منطقة الشرق الأوسط، أطواراً جديدةً من التحولات، في العملية السياسية التي تسير في حقل من التجاذبات، مترافقةً مع تصعيد أمني وعسكري يخلط الأوراق ليس في سياسة المنطقة وملفاتها المعقدة فحسب، بل في مجمل خارطة العلاقات الدولية، لتبعثر الأحجار على طاولة شطرنج لعبة الأمم.
هذه التحولات، التي تترافق مع هزيمة إسرائيلية في سيف القدس، وإنسحاب أميركي من أفغانستان، وأزمات متراكمة في العراق، والتصعيد في سوريا بوجه القوات الأميركية، باتت تداعياتها مفتوحة على كل الاحتمالات والسيناريوهات التي تعيد خلط الأوراق وتعديل شكل الترتيبات الأمنية والسياسية، والتي على ما يبدو ستؤدي إلى تراجع أميركا وخسارتها لملفات عدة في المنطقة، من العراق إلى سوريا واليمن ولبنان بحيث تتدحرج كأحجار الدومينو.
يبدو أن مسار المنطقة بدأ بالتبدل، وسنشهد إعادة تموضع جديد للقوات الأمريكية، وانطلاق مسار جديد يؤدي إلى تبدل موازين القوى، بشكل لم تشهده المنطقة منذ عام 1991 بداية دخول أميركا إلى المنطقة عبر عملية عاصفة الصحراء، ومن ثم وصولها إلى ذروة القوة بعد احتلالها افغانستان عام 2001 ومن ثم العراق عام 2003، انطلاقاً من أهمية الجغرافيا السياسية لهذه المنطقة.
حاولت إدارة جو بايدن، أن تحافظ على صورتها في سوريا والعراق، فكانت أول ضربة عسكرية أميركية لقوات الحشد الشعبي على الحدود بين البلدين، رسالة للقول أن التمادي في اختبار إدارة بايدن ستكون له عواقب، لكن على الرغم من اللجوء المبكر للقوة العسكرية، فإن تساؤلات كثيرة طرحت حول محدودية الضربة الأميركية، وعدم جدواها وتأثيرها على إيران وقوى المقاومة، وفي المقابل فتحت على القواعد الأميركية النيران بشكل كبير في العراق، وبشكل غير مسبوق في سوريا، ما يعتبر تحولاً نوعياً في المواجهة ضد الأميركيين.
التحول الهام الآخر على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي، هو توسع قوى المقاومة في سوريا والعراق، ودخول مجموعات جديدة في هذه المواجهة، قامت باستهداف القواعد الأميركية، مع الإشارة أيضاً إلى أهمية الاستهداف عبر طائرات مسيرة مفخخة حيث لم تقتصر الضربات على الصواريخ، وهذا تحول جديد يؤرق الأميركيين لعدم القدرة أحياناً على مواجهة هذه الطائرات من قبل الدفاعات الجوية، ويعتبر باحثون أميركيون أن قوى المقاومة لن تتوقف عن استهداف القوات الأميركية، وأن إدارة بايدن على ما يبدو عالقة في دوامة، اذ إنها تتبع أسلوب الضربات المحدودة من أجل ردع هذه القوى، وفي الوقت نفسه تتجنب التصعيد، وبالتالي فإن هذا الأسلوب لن يحقق أيّا من هذين الهدفين.
يتضح بعد قراءة مشهد استهداف القواعد الأمريكية، أن العنوان الرئيسي للمرحلة يتمحور حول تصدع هيبة أميركا في المنطقة، وإعادة رسم خريطة القوى فيها، خاصةً بعد الانسحاب من أفغانستان والاعتراف بالهزيمة من قبل جو بايدن، وهذا ما سينعكس في مشهد أعم على حالة اللاستقرار والاستنزاف للقوات الأميركية مما يعني أن مصالح واشنطن وحياة جنودها ستبقى تحت التهديد في مناطق عدة.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع