تعود السويداء من جديد لتحتل صدارة الأحداث في سوريا، مؤكدةً أن هذه البلاد، رغم كل التطورات التي حصلت خلال الأشهر الماضية، ستظل تعيش حالة من الفوضى، واللا استقرار، والإبادة الإنسانية، بسبب تنافس الدول والأطراف التابعة لها على السيطرة. والخاسر الأكبر هو الشعب السوري، الذي يدخل في نفق مظلم لا أفق للخروج منه، بعدما كان في مأمن من ذلك طوال عقود من الزمن، فيما يبقى الرابح الأكبر من كل ما يجري هو الكيان المؤقت.
واندلعت المواجهات منذ يومين، عقب حادثة سرقة سيارة على طريق سريع يربط السويداء بالعاصمة دمشق، تبعتها سلسلة من عمليات الخطف، قبل أن يتطور الوضع إلى اشتباكات مسلحة بين مسلحين دروز وعشائر بدوية في حي المقوس بالسويداء، ما دفع القوات المسلحة التابعة لنظام الشرع الجولاني إلى التدخل مباشرةً في المواجهات، وتمكنت من السيطرة على قرى المحافظة خلال ساعات، وصولاً إلى صباح هذا اليوم.
وكان دخول قوات الجولاني إلى مركز المحافظة هو المرة الأولى التي تنتشر فيها قوات عسكرية في المدينة منذ تولّي حكومة الشرع السلطة في البلاد عقب سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي. وقد دعت هيئات روحية درزية، في بيانات لها، المقاتلين إلى تسليم سلاحهم وعدم مقاومة جيش الجولاني، ومن بينهم الشيخ الدرزي البارز حكمت الهجري، الذي رحّب في البداية بدخول القوات الحكومية، لكنه سرعان ما تراجع ودعا إلى التصدي لها، واصفاً إياها بأنها "حملة بربرية". وقال في بيان مصوّر: "رغم قبولنا بهذا البيان المُذل من أجل سلامة أهلنا وأولادنا، قاموا بنكث العهد والوعد، واستمر القصف العشوائي للمدنيين العزّل". مضيفاً أن البيان السابق فُرض عليه "من دمشق، وبضغط من دول خارجية؛ من أجل حقن دماء أبنائنا"، مشيراً إلى أن الدروز يتعرضون لـ"حرب إبادة شاملة".
التدخل الإسرائيلي
أما كيان الاحتلال الإسرائيلي، فقد بقي على الحياد في الساعات الأولى للتطورات، بما أوحى بوجود اتفاق على ذلك بينه وبين نظام الشرع. لكن مع تصاعد وتيرة الأحداث، تغيّر الوضع، إذ قام سلاح الجو الإسرائيلي بقصف أرتال "الأمن العام" و"الجيش السوري".
وقد أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الثلاثاء، بدء مهاجمته آليات عسكرية تابعة لنظام الشرع، بتوجيهات من المستوى السياسي، بعد أن أصدر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير حربه يسرائيل كاتس تعليماتهما للجيش بضرب قوات الجولاني التي جرى نشرها في مدينة السويداء على الفور، زاعمين أن الكيان ملتزم بمنع "إلحاق الأذى بالدروز في سوريا، انطلاقاً من التحالف الأخوي العميق مع مواطنينا الدروز في إسرائيل".
لكن لا يخفى أن التدخل الإسرائيلي يهدف أساساً إلى الضغط على حكام دمشق، للحصول على مكاسب تفاوضية في إطار أي صفقة مستقبلية بين الطرفين.
نقاط أساسية لا بد من التأكيد عليها:
_الاتفاق كان يقضي بدخول الأمن العام إلى مبنى المحافظة الذي كان بعهدته، لكن تم نقض الاتفاق وبدأت عمليات نهب البيوت والقتل العشوائي.
_استخدمت قوات الشرع الدبابات والصواريخ لفرض سيطرتها على القرى والمدن في محافظة السويداء. كما سُجّلت عمليات إساءة وتنكيل وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها عناصرها، تتطابق مع سلوكها خلال السنوات السابقة.
_كل هذا حصل، رغم تأكيد ما يُسمى بـ"وزير الدفاع" مرهف أبو قصرة أن "هناك تعليمات صارمة للقوات في السويداء بتأمين الأهالي وحفظ الممتلكات"، لافتاً إلى أن هذه القوات ستبدأ "تسليم أحياء مدينة السويداء للأمن الداخلي بعد تمشيطها"، ومؤكداً توجيهه "لبدء انتشار قوات الشرطة العسكرية داخل مدينة السويداء لضبط السلوك العسكري ومحاسبة المتجاوزين".
_تعتبر الإدارة الأمريكية وما يُسمى بالمجتمع الدولي، اللذين أعطوا "الشرعية" للجولاني، شركاء في انتهاكات نظامه وقواته، بعدما نقض مراراً التزاماته بحماية باقي المكونات السورية من الطوائف والمذاهب الأخرى، وبعدم إقصائها.
الكاتب: غرفة التحرير