خرج المبعوث الأميركي توماس برّاك قبل أيام بتصريحات غير مسبوقة، تحدّث فيها عن احتمال إلحاق لبنان بسوريا، في حال استمرار تعثر الدولة وفشل أدوات المشروع الأميركي في مواجهة سلاح حزب الله. ما ورد على لسان برّاك لم يكن مجرّد زلّة لسان، بل إشارة واضحة إلى سيناريوات يجري إعدادها في واشنطن، ولو كانت خارج السياق السياسي والديبلوماسي التقليدي.
برّاك، وهو صديق شخصي للرئيس الأميركي دونالد ترامب ومبعوثه الخاص، لا ينقل مواقف شخصية، بل يُعبّر مباشرة عن توجهات البيت الأبيض. فالرجل ليس موظفاً حكومياً خاضعاً للمساءلة، بل يتحدث باسم رئيس يرى في تجاوز الأعراف الديبلوماسية وسيلة ضغط فعّالة. وبرغم التوضيح الذي نُشر لاحقاً عبر حسابه في منصة "إكس"، والذي ادّعى فيه أن تصريحاته فُهمت خطأ وكانت في سياق الإشادة بالإصلاحات السورية، فإن خطورة الكلام لا يمكن تجاهلها، خصوصاً وأنه جاء في لحظة سياسية وأمنية شديدة الحساسية.
الصمت الرسمي اللبناني، وتحديداً من أركان الدولة ورموز ما يُعرف بـ"السيادة"، كان لافتاً ومثيراً للقلق، بل أن البعض حمّل الدولة نفسها المسؤولية، كما فعل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. أما على مستوى المرجعيات الروحية، فلم يُسجّل أي تعليق مباشر، واقتصر خطاب البطريرك الراعي على شؤون اجتماعية وعائلية.
بالمقابل، نبّه عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان اللبناني النائب ابراهيم الموسوي من أن تصريحات باراك، "تنمّ عن نوايا خطيرة، وتكشف بوضوح عن معالم المشروع الأميركي - الصهيوني المرسوم للمنطقة عموماً، ولبنان خصوصاً"، مشدداً على أن "لبنان بلد لا يرضخ للتهديد، ولا يساوم على سيادته، ولن يكون يوماً خاضعاً للإملاءات الأميركية أو راضخاً للتهديدات الإسرائيلية أو تابعاً لأيّ دولة خارجية، أو ملحقاً بها".
ورأى إنّ "هذه التصريحات الاستعلائية لا يجب أن تمرّ من دون ردّ حازم وقوي من الدولة اللبنانية، بمستوياتها السياسية والديبلوماسية كافة، وهي تُحتّم على وزارة الخارجية اللبنانية أن تبادر فوراً إلى استدعاء السفيرة الأميركية، وإبلاغها رفضاً رسمياً لهذه التصريحات العدائية الوقحة"
كما وحّدت تصريحات برّاك اللبنانيين، وأعادت صهر اللحمة الوطنية بينهم، بمختلف طوائفهم وتوجهاتهم، نتيجة شعورهم بخطر وجودي من حدودهم الشرقية، تجلّى ذلك بشكل واضح عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انتقد المواطنون تصريحات برّاك واعتبروها مسيئة بحق الدولة والشعب اللبناني، وأعادت كلمات برّاك تأكيد جدوى المقاومة المسلّحة في وجه أي عدو خارجي يتربّص بالأراضي اللبنانية.
التغير في الموقف السوري: بين الدور الأمني والسياسي وعودة الهيمنة
في موازاة كلام برّاك، تزامنت على الساحة السورية مؤشرات لتغيّر في الأداء الرسمي. منذ زيارة أحمد الشرع (الجولاني) إلى الإمارات، تتالت المعطيات عن انفتاح أميركي على النظام السوري. وقد أعلنت واشنطن، عبر وزير خارجيتها مارك روبيو، رفع العقوبات عن "هيئة تحرير الشام" وفق سياسة "خطوة مقابل خطوة"، ما عُدّ بمثابة بداية لمرحلة جديدة من التنسيق.
ووفق مصادر إعلامية، فإن هذا المسار يقوم على التزام سوري بمحاربة "الإرهاب"، وهو تعريف يشمل بحسبهم، تنظيم داعش وحزب الله والفصائل الفلسطينية، مقابل تثبيت حكم الشرع وتعويمه دولياً. وهذا ما تسبّب بتوتر جديد مع "قسد"، بعد شهور من التفاهم، إذ يشعر الشرع الآن بثقة مستندة إلى دعم البيت الأبيض. وفي هذا السياق، تنظر تركيا بعدم ارتياح لهذا الانخراط السوري في مشروع الضغط الإقليمي بالتنسيق مع أميركا والإمارات.
هذا التحوّل في دمشق انعكس على الموقف من لبنان أيضاً. حيث بات ملف سلاح المقاومة والحدود والوضع الأمني الداخلي جزءاً لا يتجزأ من النقاش السوري-الأميركي. وكان واضحاً أن زيارة محتملة لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بيروت جرى التمهيد لها بتسريبات عن "ورقة الموقوفين الإسلاميين"، في محاولة لتعبئة الشارع السني وربما الضغط على حزب الله عبر البوابة الطائفية.
إشارات أمنية على الحدود ومزاعم سورية تتهم المقاومة!
في إطار التحضير للضغوط، أعلنت السلطات السورية أمس عن "عملية أمنية" في حمص أُحبط خلالها "مخطط إرهابي" قالت إن منفّذه مرتبط بـ"خلية تابعة لحزب الله". وقد نفى الحزب بشكل قاطع هذه الاتهامات، مشدداً على أنه لا يملك أي وجود عسكري أو أمني في سوريا، وأنه يحرص على استقرارها وسلامة شعبها.
في الوقت نفسه، أقدم أحمد الشرع (الجولاني) على نشر وحدات "العصائب الحمراء" التابعة لهيئة تحرير الشام، على الحدود اللبنانية-السورية، وقد سبق لهذه الوحدات أن ظهرت في مناوشات قرب الهرمل مطلع العام.
برز في اليومين الأخيرين تهديد جدّي على اللبنانيين قادم من الحدود الشرقية هذه المرة، "بشّر" به المبعوث الأميركي توم برّاك بشكل فاضح بقوله بأن بلادنا ستصبِح مُلحقة بدولة أخرى، مما فتح باب التساؤل اليوم: هل تُهيّئ دمشق لعودة دورها في لبنان بتورّط عسكري وأمني؟
الكاتب: غرفة التحرير