الإثنين 14 تموز , 2025 04:05

كمائن غزة: الأثر العملياتي والاستراتيجي لكمائن بيت حانون وخان يونس

كمائن المقاومة الفلسطينية والحريديم

في مشهد ميداني يبدو للوهلة الأولى محسومًا لصالح الاحتلال الإسرائيلي من حيث الكثافة النارية والتفوق الجوي والهندسي، تظهر فجأة ساحة مغايرة في العمق العملياتي، تكشف استمرار قدرة المقاومة الفلسطينية على التخطيط والتنفيذ والتأثير. لقد شكّلت الكمائن العسكرية المستمرّة والتي نُفّذت في كلّ من بيت حانون وخان يونس في الفترة الأخيرة تطورًا نوعيًا في معادلة الاشتباك، ورسّخت من جديد منطق العمل تحت الأنقاض، وأعادت سؤالاً جوهرياً إلى الطاولة: هل يمكن لكمائن محدودة، ضمن بيئة مدمّرة عسكرياً، أن تُحدث تغييراً استراتيجياً في جبهة غزة؟

أولاً: قراءة تكتيكية – كيف نُفذت الكمائن؟

1- بيئة التنفيذ:

نُفّذت الكمائن في بيئتين متباينتين:

- بيت حانون: بيئة كثيفة البناء العمراني، تعرّضت لتدمير شامل.

- خان يونس: بيئة أشبه بمسرح عمليات مفتوح، لكنها مليئة بالأنفاق والتضاريس المدينية.

رغم ما يُعرف عن تفوق الجيش الإسرائيلي في الاستخبارات الجوية وعمليات المسح الطبوغرافي، نجحت وحدات المقاومة في استغلال الفجوات:

- استخدام شبكات أنفاق ما زالت نشطة.

- تفخيخ الممرات المتوقع أن يسلكها الجيش.

- إنشاء نقاط رماية وإطباق ناري مزدوج (أفقي – عمودي).

- استخدام أسلوب "الكمين المرتجع" (في العلوم العسكريّة) أي كمين في نقطة تراجع محسوبة من عناصر المقاومة.

2- طبيعة الكمين:

الكمين لم يكن عشوائياً ولا ارتجالياً، بل حمل بصمة استخبارية ميدانية:

- معرفة مسبقة بمسار وحدات العدو.

- توقيت متزامن مع تبديل الألوية والكتائب المشاركة في التّقدم (كمين بيت حانون كان ضحيّته كتيبة نحّال حريدي من لواء كفير كانت قد استلمت مهمّتها حديثاً في ذلك المقطع).

- تسجيل وتصوير العملية وبثّها، ما يعني تحكّمًا إعلاميًا في الرواية.

ثانيًا: نوعية القوة المستهدفة – كتيبة نحال الحريدي من لواء كفير وهو لواء المتدينين ويتبع للفرقة ٩٩

استهداف كتيبة نحال حريدي – الكتيبة الحريدية (نتسح يهودا أو كتيبة 97 تحديدًا) يُعدّ حدثاً لافتًا، للأسباب الآتية:

1- الحساسية العقائدية والاجتماعية:

- هذه الكتيبة تضمّ يهودًا متدينين حريديم، وهي جزء من مشروع دمج المتدينين في الجيش.

- أي خسائر في هذه الكتيبة تُثير ردود فعل داخل المجتمع الحريدي المعروف بعدم دعمه للانخراط في الجيش.

- هذه الفئة تُمثّل قاعدة دعم لبنيامين نتنياهو، ما يعني أن الضربة لها أبعاد سياسية داخلية.

2- النتائج المباشرة:

- مقتل وجرح عدد غير قليل من الجنود في كمين موثّق.

- تساؤلات في الكيان حول سبب الزجّ بكتيبة غير مدرّبة جيدًا على قتال المدن.

- تأثير نفسي على الأُسر الحريدية، واهتزاز في الثقة بالقيادة العسكرية.

ثالثًا: فعالية الكمائن في ظلّ انهيار البنية القتالية لحماس

1- الاستنزاف من تحت الركام:

رغم أن العدو يدّعي أنّه "فكّك بنية حماس"، إلا أن تنفيذ عمليات كمين ناجحة بهذا المستوى يعني أن البنية:

- ما زالت قائمة جزئياً أو تعود للنشاط بسرعة.

- أو أن هناك وحدات غير نمطية (مثل الخلايا المستقلة واللامركزية) تواصل العمل بتشخيص ميداني خاص.

2- التأثير العسكري:

- الكمائن لا تُحدث تغييرًا ميدانيًا واسعًا، لكنها تُربك تموضع القوات الإسرائيلية، وتُبطئ حركتها.

- تدفع إلى زيادة التحصين وإعادة الانتشار، ما يُخفّض من سرعة التّقدم أو يوقفه في بعض المحاور.

3- التأثير العملياتي:

- الكمائن تنقل المعركة من حرب استهداف عن بُعد إلى حرب احتكاك خطرة لا يرغب بها الجيش الإسرائيلي.

- تثبت أنّ تفوق العدو في الجو لا يعني السيطرة على الأرض.

رابعًا: التأثير على الجبهة الداخلية الصهيونية

1- نقطة الانهيار المجتمعي:

- حين يُقتل أو يُصاب حريدي في غزة، تُطرح مجددًا الأسئلة: "لماذا نُرسل أبناءنا إلى المعركة؟"

- تنبع هذه المسألة من أن الغالبية الحريدية لا تؤمن أصلاً بالصهيونية السياسية.

2- انهيار السرديّة الإعلاميّة:

- بثّ المقاومة لمشاهد الكمين، وتوثيق إصابات دقيقة، يتناقض مع رواية الجيش: "نُسيطر، نُدمّر، لا مقاومة".

- تُخلق فجوة بين الإعلام الرسمي والرأي العام، وهو ما يُضعف الجبهة الداخلية.

خامسًا: الأثر الاستراتيجي – هل تُغير الكمائن الواقع؟

الكمائن في حدّ ذاتها لا تُغيّر الواقع الميداني بمعنى استعادة السيطرة أو منع العدو من التقدم، لكنّها:

- تُبقي المقاومة حيّة في الوعي والواقع.

- تمنع العدو من إعلان "نهاية المعركة".

- تجعل كلفة الاستمرار في الاحتلال أو الاجتياح أعلى من القدرة على تحمّلها (أعمال إيذائيّة تكلّفه بشريّاً ما يجعل القوّات في استنزاف دائم).

- تُعيد بناء الردع المعنوي: "لسنا منهارين كما تزعمون".

خاتمة:

لقد أثبتت الكمائن الأخيرة أن الحرب على غزة لم تنتهِ، بل دخلت مرحلة جديدة من الاحتكاك الكامن واللامتماثل، ورغم أنّ "إسرائيل" تراهن على الإنهاك، فإنّ هذه الكمائن تعيد تشكيل بيئة الرعب العسكري وتضع خطوط تماس جديدة.

التّكتيك العسكري للمقاومة الظّاهر من السّياق العام:

- التركيز على النّوع لا الكم في العمليات.

- توثيق الكمائن وبثها لاستثمارها في الحرب النفسية.

- تفعيل وحدات الاستنزاف المنفصلة جغرافيًا (فلسفة القتال الّلامركزي)

- استهداف نقاط حساسة في تشكيلات العدو الاجتماعية (الحريديم، المجنّدين الجدد، الاحتياط...).

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب: أحمد علاء الدين




روزنامة المحور