يستخدم إيلون ماسك، الملياردير والرئيس التنفيذي لشركة تسلا، ملف جيفري إبستين كأداة سياسية لاستهداف ترامب وجمهوره من أنصار حركة اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى "ماغا". يسلط المقال الذي نشرته صحيفة "بوليتيكو" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، الضوء على استمرار نظريات المؤامرة المحيطة بقضية إبستين وتأثيرها العميق على السياسة الأميركية على الرغم من مرور وقت على انتحار إبستين كما تدعي الولايات المتحدة، وكيف يستغل ماسك هذه القضية لإضعاف ترامب عبر منصته الرقمية "اكس" من خلال إثارة الشكوك حول مصداقيته وربطه بملفات إبستين الذي اشتهر بالإتجار بالقاصرات وتقديمهن لأغنياء العالم من خلال القول بتواجد اسم ترامب بالملفات. ما يعزز حالة الانقسام داخل القاعدة الشعبية له. كما يبرز المقال ردود أفعال أبرز الحلفاء المقربين لترامب والاحتقان المتزايد في صفوف أنصاره بسبب غياب أي كشف رسمي أو تحقيق حول ملف إبستين، ما يجعل القضية تمثل نقطة ضعف جوهرية لترامب وسط جمهور يحلم بتصفية الحسابات مع النخبة الحاكمة.
النص المترجم:
رغم مرور ما يقرب من ست سنوات على وفاة جيفري إبستين، لا تزال نظريات المؤامرة المحيطة بإرثه السام تُحرّك المشهد السياسي داخل الحزب الجمهوري.
ولا أحد يدرك ذلك أفضل من إيلون ماسك، الذي بدأ يستخدم هذا الملف بمهارة واندفاع ضد الرئيس دونالد ترامب. فيما يشبه تذكيراً صامتاً من الرئيس التنفيذي لشركة تسلا للرئيس الأميركي، فإن ماسك يعي تماماً تركيبة قاعدة ترامب والضغوط التي يمكن أن تؤثر فيها، ولا يتردد في استغلالها عند الحاجة.
كان إبستين المموّل النيويوركي المشين، صاحب الجزيرة الخاصة التي يقال إنها استُخدمت للاتجار الجنسي بالقاصرين ولتسلية أصدقائه النافذين قد تُوفي في عام 2019 بينما كان سجيناً وتحت المراقبة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت ملابسات وفاته موضوعاً لما يمكن اعتباره نظرية المؤامرة الأكثر شهرة واستمرارًا في أوساط حركة "ماغا". فبالنسبة للعديد من المنتمين إلى هذه الحركة، كان إبستين تجسيداً للفساد والانحلال الأخلاقي الذي يرون أنه يميز النخب الأميركية، ومصيره العنيف شكّل بالنسبة لهم دليلاً على مدى استعداد هذه النخب -بمساعدة ما يُعرف بـ "الدولة العميقة"- للذهاب بعيداً في التستر على جرائمها.
كان يُفترض أن تؤدي ولاية ترامب إلى لحظة محاسبة. فقد كان العديد من مؤيدي حركة "ماغا" يتوقعون أن يُعيد الرئيس الجديد، إلى جانب وزارة العدل بعد إعادة تشكيلها، تسليط الضوء على ما يُعرف بـ "قائمة العملاء السرية" المزعومة لجيفري إبستين، وكشف الحقيقة الكاملة وراء وفاته أثناء احتجازه.
لكن عندما لم يحدث ذلك بل على العكس، أصدرت وزارة العدل مذكرة يوم الإثنين تفيد بعدم وجود أي دليل على امتلاك إبستين لقائمة عملاء سرية، وأنه توفي منتحراً لم يكن وقع الخبر جيداً على اليمين الإلكتروني، ولا على كثير من أنصار ترامب المتحمسين.
ومنذ أن صعد إيلون ماسك إلى المسرح إلى جانب ترامب العام الماضي ليعلن تأييده له، ثم قام بتمويل حملته الانتخابية وشارك في اجتماعات البيت الأبيض ومجلس الوزراء، يبدو أنه تعلّم شيئاً مهماً: كيف يحرّك قاعدة "ماغا" من الداخل.
وهذا ما يفسّر لماذا، وفي خضم سجاله العلني مع ترامب، اختار ماسك أن يعيد فتح جرح إبستين مراراً خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية إذ نشر أو أعاد نشر ثماني منشورات على منصة "إكس" تتناول شكاوى تتعلق بإدارة ترامب فيما يخص ملف إبستين، وذلك إلى جانب منشورات تتعلق بحزبه السياسي الجديد المحتمل.
تضمنت بعض هذه المنشورات مقطعاً قديماً له في بودكاست جو روغن، قال فيه: "عندما داهموا منزل إبستين، كان ينبغي أن يكون هناك جبل من الأدلة. فأين هو هذا الجبل؟ ... من حق الناس أن يشعروا بالإحباط إن لم يُحاسَب أحد".
ثم نشر تساؤلاً بسيطاً أثار ضجة: "كيف يُفترض بالناس أن يثقوا بترامب إذا كان يرفض نشر ملفات إبستين"؟ وقد حصد هذا المنشور أكثر من 483 ألف إعجاب، وتمت مشاهدته 47 مليون مرة.
في تموز/يونيو، خلال الخلاف العلني الأول بين ماسك وترامب، لجأ ماسك إلى الأسلوب نفسه فوراً، مستخدماً ورقة إبستين دون تردد، وكأنه يبعث برسالة إلى ترامب مفادها: "أنا لست خصماً سياسياً عادياً".
وفي منشور محذوف لاحقاً، كتب ماسك: "حان وقت تفجير القنبلة الحقيقية: دونالد ترامب موجود في ملفات إبستين. هذه هي الحقيقة وراء عدم نشرها. يومك سعيد يا دي جاي تي"
ماسك يدرك حقيقة بسيطة عن أكثر مؤيدي ترامب ولاءً: هم يصدقونه حين يقول إنه سيُجفّف المستنقع، وحين يهاجم النخب، وحين يعد بالنظر في نظريات المؤامرة المنتشرة على الإنترنت سواء تعلقت بإبستين أو غيره. لكن عندما يشعر هؤلاء أن ترامب يُخلف وعوده، فذلك يُعد خيانة أخطر من أي انتقاد قد يأتي من الديمقراطيين.
بعض من أبرز حلفاء ترامب عبّروا صراحة عن غضبهم وإحباطهم الشديد من غياب أي كشف حقيقي بشأن قضية جيفري إبستين. قال المذيع المعروف تاكر كارلسون: "الكل يمزح بفكرة أن الفيديو يُظهر أنه لم يقتل نفسه، لكنها ليست مجرد مزحة؛ إنها مزحة ندرك جميعاً حقيقتها. وأشعر أننا بلغنا الآن نقطة خطيرة".
أما أليكس جونز، الإعلامي المثير للجدل ومقدم برنامج "إنفو وورز"، فقد قال في فيديو صوّره داخل سيارته: "الآن، بعد أن أصبحت إدارة ترامب جزءاً من عملية التستر، فقد أصبحت بالفعل جزءاً من المشكلة. لا يمكن تفسير الأمر بطريقة أخرى". وأضاف بانفعال: "لقد وصلت للتو إلى المكتب، وأشعر أنني سأتقيأ فعلياً".
الرئيس ترامب نفسه بدا متأثراً بالحملة، إذ أظهر انزعاجه خلال مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء حين سُئل عن إبستين، فردّ بنفاد صبر:هل ما زلتم تتحدثون عن جيفري إبستين؟ هذا الرجل جرى الحديث عنه لسنوات... هل ما زال الناس يتحدثون عنه؟ هذا الحقير؟ لا أصدق أنك تسألني عن إبستين!
يبدو أن ماسك، الذي يقضي معظم وقته على منصة "اكس"، يفهم منظومة حركة "ماغا" تماماً. قد لا تنجح الدعوة التي أطلقها لتأسيس حزب سياسي جديد، لكن مكانته كقطب ملياردير تجعله خصماً قوياً على الإنترنت، حيث يسيطر على الخوارزميات ويستطيع تشكيل الرأي العام حول قضايا جوهرية تمس جاذبية ترامب وصلته بقاعدة الحزب. يعرف ماسك عالم "ماغا" وكيف يضغط على نقاط ضعفها، وليس خائفاً من ذلك، بدءاً من إثارة الأسئلة الشائكة حول شخصية منحرفة جنسياً توفيت منذ زمن بعيد لكنه يصر على إبقائها في دائرة النقاش.
المصدر: politico
الكاتب: Calder McHugh