كشف تقرير استخباراتي أمريكي تم تسريب فحواه الى وسائل الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية، أن العدوان على المنشآت النووية الإيرانية، وخاصة منشأة فوردو، لم يدمر هذه المنشآت، مع تقدير بأن الجمهورية الإسلامية قادرة على إعادة تفعيل هذه المنشآت خلال مدة زمنية قصيرة لا تتجاوز الأشهر على الأكثر.
وفي هذا التقييم، الذي أعدته وكالة استخبارات الدفاع (DIA)، الذراع الاستخباراتية للبنتاغون، والذي يستند إلى تقييم لأضرار المعركة أجرته القيادة المركزية الأمريكية في أعقاب الضربات، فإن النتائج الأولية تتعارض مع ادعاءات الرئيس دونالد ترامب المتكررة بأن الضربات "دمرت تمامًا" منشآت التخصيب النووي الإيرانية، وتتعارض مع ما صرّح به وزير الحرب الأمريكي بيت هيغسيث بأن "طموحات إيران النووية قد قُضي عليها.
فقد أفاد اثنان من المطلعين على التقييم بأن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب لم يُدمَّر، وقال أحدهما بأن أجهزة الطرد المركزي "سليمة" إلى حد كبير. وقال مصدر آخر إن اليورانيوم المخصب نُقل من المواقع قبل الضربات الأمريكية.
وعليه فإن العملية العسكرية الأميركية التي شاركت فيها 125 طائرة بينها قاذفات شبح B-2، ومقاتلات وطائرات إمداد جوي بالوقود وغواصة صواريخ موجّهة وطائرات استخبارات ومراقبة واستطلاع، لم تستطع تحقيق هدف العدوان الإسرائيلي الأمريكي.
وفي تفاصيل ما خلصت اليه قراءات وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية الأولية، فإن الضربات فشلت في الوصول إلى قلب البنية التحتية النووية الإيرانية. فمنشآت فوردو ونطنز وأصفهان تعرضت لأضرار فوق الأرض، لكن يُعتقد بأن مصفوفات أجهزة الطرد المركزي سليمة هيكليًا. وتؤكد مصادر متعددة أن إيران نقلت مخزوناتها من اليورانيوم المخصب استباقيًا قبل الاعتداء الأمريكي "مطرقة منتصف الليل"، وأنه لم يتم تحييد أي مواد انشطارية.
أما منشأة فوردو فتمثل الفشل الذريع. لأن قنابل GBU-57 أصابت الطبقات الخارجية لكنها لم تخترق العمق، ولم تصل الى القاعات التي تحوي على أجهزة الطرد المركزية، ربما لأنها موجودة أسفل طبقة جيولوجية معززة مصممة خصيصًا لتحمل هذا النوع من القنابل الخارقة. وبحسب مصادر إعلامية، التقطت أجهزة الاستشعار احتباسًا حراريًا يتوافق مع تدفق هواء متواصل، ويبدو أن أنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء بقيت تعمل بكفاءة بعد الاعتداء الأمريكي.
أما في نطنز، فتركز الدمار المرئي على المنشآت السطحية. وتم تأكيد الأضرار التي لحقت بورش التغليف والبنية التحتية الكهربائية، ولكن لا يوجد دليل على انهيار في وحدات الطرد المركزي IR-6/IR-8. هذه المناطق مُحصّنة، ولا يشير أي تحليل بيانات موقع الانفجار إلى تعرضها للقصف.
أما منشأة أصفهان، فقد تعرّض قطاع المعادن فيها لقصف بصواريخ كروز من طراز توماهوك، وليس بقنابل خارقة للتحصينات. ويشير المحللون إلى أن مختبرات المعادن استُهدفت، لكن الخزائن السفلية، حيث تُجهّز مكونات معدن اليورانيوم، لا تُظهر أي خلل حراري أو حركي.
لذلك، يصل التقرير الاستخباراتي إلى ان البنية التحتية لأجهزة الطرد المركزي لا تزال صالحة للاستخدام، ودورة الوقود متوقفة مؤقتًا، لكنها ليست معطلة. وتتفق تقييمات الاستخبارات على أن النكسة تُقاس بالأشهر، لا بالسنوات.
وعليه قدرة إيران على إعادة البناء سليمة، والمواد المخصبة لا تزال مجهولة المكان، وربما يكون العمل في منشآت سرية مستمر.
ومن الجدير ذكره، أن شبكة ABC NEWS الأميركية قد نقلت أيضاً، تصريحاً لمصدرين إسرائيليين لها، يتحدث بأنه من السابق لأوانه وصف الضربات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية ب "الناجحة"، وقلّل أحدهما من شأن الأضرار التي لحقت بمنشأة فوردو النووية، واصفًا النتيجة بأنها "ليست جيدة حقًا"!.
ترامب وويتكوف مصرّان على تكذيب هذه التقارير
وبالرغم من كل هذه المؤشرات، جدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب التأكيد على أنّ الضربة العسكرية التي شنّتها قواته ضد إيران قد "دمّرت بالكامل" المواقع النووية الثلاثة التي استهدفتها، نافيا بذلك صحّة ما أوردته التقارير الإعلامية عن مصادرها الاستخبارية بأنّ الضربة لم تؤدّ سوى لتأخير برنامج طهران النووي بضعة أشهر.
وكتب ترامب في منشور على منصته "تروث سوشيل" أنّ "شبكة سي إن إن للأخبار الكاذبة، بالتعاون مع صحيفة نيويورك تايمز الفاشلة، ضافرتا جهودهما لتشويه سمعة إحدى أنجح الضربات العسكرية في التاريخ. المواقع النووية في إيران دُمّرت بالكامل!".
أمّا المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت، فشدّدت على أنّ تقييم وكالة الاستخبارات الدفاعية التابعة للبنتاغون "خاطئ تماماً وكان مصنّفاً سرياً للغاية وعلى الرغم من ذلك تمّ تسريبه". وجاء في منشور ليفيت على منصة "إكس"، أنّ "تسريب هذا التقييم المزعوم هو محاولة واضحة للنيل من الرئيس ترامب وتشويه سمعة طياري المقاتلات الشجعان الذين نفّذوا بشكل مثالي مهمة لتدمير برنامج إيران النووي". مضيفة بأن "الكلّ يعلم ما يحدث عندما تلقي 14 قنبلة زنة الواحدة منها 30 ألف رطل على نحو مثالي على أهدافها: تدمير كامل".
لكن فات ليفيت التي يبدو بأن لا تمتلك أي ثقافة عسكرية، بأن منشأة فوردو الموجودة في أعماق الأرض (حوالي 800 متر)، من المستحيل الإضرار بها بقنابل GBU-57 وهذا ما شكّك به أيضاً مستشار ترامب المعروف ستيف بانون قبل ساعات من العملية.
أما مبعوث ترامب الى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، فحاول أيضاً الإيحاء بأن التقرير الاستخباراتي الأمريكي غير دقيق، فأكّد بدوره، أنّ المنشآت النووية في نطنز وأصفهان وفوردو "دُمّرت". مضيفاً "لقد تضرّرت أو دُمّرت معظم أجهزة الطرد المركزي، إن لم يكن جميعها، في هذه المنشآت الثلاث"، وأنه "سيكون من شبه المستحيل عليهم (الإيرانيين) إحياء هذا البرنامج، فمن وجهة نظري، ومن وجهة نظر العديد من الخبراء الآخرين الذين اطّلعوا على البيانات الأولية، سيستغرقهم الأمر سنوات".
الكاتب: غرفة التحرير